كتبت: مريم ياسر
الزمان: القرن السابع الهجري
المكان: مصر
قصيدة البردة أو البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، هي إحدى أشهر القصائد في مدح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري، وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي بين العامة والخاصة.
وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا ، يقرأها بعض المسلمين في بلاد الإسلام كل ليلة جمعة، كما أقاموا لها مجالس عُرفت بمجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي.
من هو البوصيري؟
هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، ولد عام 608 هجرياً في قرية دلاص إحدى قرى بني سويف في مصر، وترجع جذور أسرته إلى قبيلة صنهاجة، إحدى أكبر القبائل البربرية المنتشرة في بلاد المغرب، تلقي العلم منذ نعومة أظافره؛ فحفظ القرآن وتتلمذ على يد عدد من أعلام عصره، كما تتلمذ على يده عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم “محمد العمري الأندلسي الأشبيلي” المعروف بابن سيد الناس.
سبب تسمية القصيدة بالبردة
وترجع تسمية هذه القصيدة بهذا الاسم إلى أن البوصيري قد داهمه الفالج وهو “الشلل النصفي”، فكتب قصيدته ليتقرب بها إلى الله تعالى، ويستشفع أن يعافيه، وانشدها ودعى الله وتوسل إليه ثم خلد للنوم، فرأي النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام، يمسح على وجهه بيده المباركة ويضع عليه بردته الشريفة، وعندما أستيقظ وجد أنه قد تعافى.
نظم البوصيري قصيدته على البحر البسيط، وبلغ عدد أبياتها كاملة نحو 158 بيتًا، وفي بعض الروايات ذكر أنها 162 بيتُا، وهي أجود شعر البوصيري، وقد حذا حذوها كثير من شعراء المدائح الذين جاءوا بعد البوصيري، من بينهم أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة عنوانها (نهج البردة).
شُرحت القصيدة وفسرت أكثر من 90 مرة في العربية والفارسية والتركية والبربرية، وقد تُرجمت إلى عدة لغات منها اللاتينية والألمانية والفارسية.
وكعادة الشعراء القدامى يبدأ البوصيري قصيدته بتذكر المكان، أو الطلل وهو هنا جيران ذي سلم -وهو موضع بين مكة والمدينة-، والشاعر -هنا- جرّد من نفسه شخصًا آخر فقال له: ما بال دمعك قد أصبح غزيرًا حتى مال إلى حمرة الدم؟ ألأجل تذكّرك الأحباب القاطنين بذي سلم؟
يقول:
أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم
مزجتَ دمعًا جرى من مقلة بدم
أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفا هَمَتا
وَما لِقَلْبِكَ إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
ويتابع البوصيري قصيدته بمدح الرسول الكريم؛ فيصفه بأنه سيد الناس في الدنيا والآخرة، وسيد الإنس والجان وسيد العرب والعجم، كما يسترسل في المديح؛ فيصفه بالحبيب الذي تُرجى شفاعته حين يُصادف الناس أهوالًا أو كروباً صعبة، فيدخلون هذه الأهوال من دون خوف أو وجل، فيحتمون به من المصائب وكل ما يصيب المرء أو يعترض طريقه.
محمد -صلى الله عليه وسلم- في مفتتح القصيدة بالنسبة للبوصيري هو مستجاب الدعوة، والمتمسكين به هم من يسلكون الطريق الصحيح، كما أن المتمسكين بحبل دعوته متمسكون بحبل قوي لا ينقطع؛ وفي هذا إشارة إلى عظمة النبي الكريم، وما استحوذ عليه من تكريم من الله -جل وعلا-، فوهو الذي ملك الأرض تواضعًا وخلقًا وحبًا وإيمانًا ووفاءً ونبلًا، وقل ما شئت من الصفات النبيلة التي أتى على ذكرها البوصيري في هذه القصيدة الطويلة.
ويروي البوصيري سفر النبي من المسجد الحرام إلى الأقصى، فيه إشارة إلى سورة الإسراء، إسراء شبهه البوصيري بالبدر في ليلة حالكة السواد والظلمة، فنال منزلة عظيمة لم ينلها نبي أو بشر من قبل.
يقول:
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبرّ في قولِ لا منه ولا نعمِ
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهمُ
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
التعليقات