هل يجوز التيمم بدلاً من الوضوء أو الغُسل في البرد الشديد؟
هل يجوز التيمم بدلاً عن الوضوء أو الغُسل في البرد الشديد؟

التيمم بدلاً عن الوضوء أو الغُسل

كتبت- انتصار عبد الرؤوف

مع شدة البرودة في فصل الشتاء، يتعذر على بعض الأشخاص أداء العبادات على الوجه الأكمل والأتم.

خاصة ما يتعلق منها بالطهارة، فيتساءل الكثير منهم عما إذا كان هناك بديل أو تخفيف.

كمَنْ تعذر عليه استعمال الماء في البرد الشديد للوضوء أو الغُسل للجنابة وما شابه.

لأجل ذلك كان لا بد من بيان أحكام تتعلق بكيفية أداء العبادات في البرد الشديد في فصل الشتاء.

وسنتحدث في هذا التقرير عن الحكم الأول والرُخصة الأولى وهي التيمم، هل يجزئ عن الوضوء والغُسل، وما كيفيته؟

 

 

حكم التيمم بدلاً من الوضوء أوالغُسل في البرد الشديد

أوضحت دار الإفتاء المصرية في فتوى لها، أنه يجب الطهارة من الجنابة قبل القيام إلى الصلاة، ولكن قد يحدث عذر للإنسان يجعله غير قادر على ذلك.

كأن يكون مريضًا لا يقوى على الطهارة، أو مسافرًا ولا يمكنه الطهارة، وفي هذه الحالة وهي وجود العذر المانع للطهارة أباحت الشريعة الإسلامية  التيمم بدلًا من استعمال الماء.

فمَنْ لا يستطيع استعمال الماء في الطهارة، وتأكد تمامًا أن استعمال الماء سيضره أو أخبره أهل الخبرة بذلك، فإنه يصح له التيمم.

وذلك لما ثبت من أن سيدنا عمرو بن العاص حينما خاف على نفسه الهلاك من استعمال الماء تيمم وصلى وأقره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك.

 

وأضاف الدكتور شوقي علّام، مفتي الجمهورية السابق، أن الفقهاء اتفقوا على أن التيمم مشروع عند عدم وجود الماء أو عدم القُدرة على استعماله.

وذلك في حالة وجوب الغُسل من جنابة أو حيض أو نِفاس.

وكذلك عند وجوب الوضوء من الحدث الأصغر (بول، غائط، ريح) ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.

وأكد مفتي الجمهورية السابق،أن عدم القدرة على استعمال الماء خوفاً مِن الضرر أو التهلكة حال التطهر به:

هو في حكم فقده للماء، ومما يشرع لأجله التيمم.

وذلك لأنه يدخل  في عموم النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس ومجانبتها المهالك والمفاسد:

مثل قول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].

 

وأيضاً ما ورد من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره في خصوص مشروعية التيمم للجنب عند الخوف من التضرر بالماء.

 

فعن عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا معْتَزِلًا لم يصَلِّ في القوم.

فقال: «يَا فلَانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تصَلِّيَ فِي القَوْمِ؟» فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابةٌ ولا ماء، فقال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» متفق عليه.

 

وأما ما ورد من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم- فمنه:

فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل.

فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال.

وقلت: إني سمعت أن الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].

فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا.

 

وأفرد الأئمة من المحدثين لمشروعية ذلك في مصنفاتهم أبوابًا؛ فبوب الإمام البخاري بابًا أسماه:

(بَابٌ: إِذَا خَافَ الجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الـمَرَضَ أَوِ الـمَوْتَ، أَوْ خَافَ العَطَشَ، تَيَمَّمَ).

كذلك أيضاً:  تواردت نصوص الفقهاء على ذلك: فقد نصوا على أن شدة البرد وكونه سببًا للمرض أو الضرر إذا ما صحبه الاغتسال.

يعَدُّ من الأعذار التي رخَّص الشرع في التيمم لها.

 

كيفية التيمم

 

أن يضرب الـمُحدِث بباطن كفيه على الصعيد الطاهر (التراب الطاهر وكل ما كان من جنس الأرض كالرمل والحجر والجص) .

ضربتين: ضربة يمسح بها وجهه، وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين؛ اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى.

كما قال تعالى في بيان صفة التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6]

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» : التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ«

 

ماذا يَفعل مَنْ تيمم ثم وجد الماء أو قدر على استعماله؟

اتفق الفقهاء على أن الجنب إذا تيمم لفقد الماء أو عدم القدرة على استعماله ثم وجده أو قدر على استعماله بزوال العذر؛ لزمه الغُسل، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.

 

وبناء على ذلك فإن الشرع الحنيف قد جعل التيمم رخصة لِمن أراد الوضوء أو الغُسل؛ رفعاً للحرج.

ولكن بشروط وفي حالات معينة وبكيفية محددة، على المكلَّف مراعاتها.

فَمَن عجز عن استخدام الماء في البرد الشديد مع عدم وجود وسيلة لتسخين الماء؛ وخاف من المرض أو التهلكة.

ويعرف ذلك الخوف إما بغلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق، فَمَن كان صفته هذه جاز له التيمم.

التيمم بدلاً عن الوضوء أو الغُسل

التعليقات