كتبت: نوران بكري
أقامت الشريعة الإسلامية الحياة الزوجية على أساسٍ من المودة والرحمة وحسْن العِشرة.
حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
ونظَّمت العلاقة بين الزوجين على هذا الأساس بجملة من الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما.
والتي بمراعاتها يحصل الاستقرار والاستمرار، وتدوم العشرة.
هل من حق الزوج أن يمنع زوجته من زيارة أبويها وأخواتها ومحارمها؟
أجاب الأستاذ الدكتور، شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية
للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية.
والأولى أن يعينها الزوج على هذا البر لا أن يكون حائلًا بينها وبين فعله، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما جميعًا.
إذ الحقوق الزوجية إنما شرعت لتنظيم الحياة بين الزوجين على أساس من التراحم والتواد، لا التعسفِ والعنادِ.
هذا، مع ما قد تقرر من أن الفضل والإحسان في العلاقة الزوجية هما المقدمان دومًا.
خاصة في واقع الأُسرِ المصرية التي دَرَجت على التعاون والتكامل بين الزوجين.
ولم نجد إثارة لمثل هذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع.
وهذا مما يحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
حق الزوجة في زيارة أهلها، وهل من حق الزوج منعها من ذلك؟
أكد “علام” أن من جملة الحقوق المحفوفة بالفضل والمودَّة: زيارة المرأة لأبويها وإخوتها ومحارمها وأقاربها.
فحقُّ الزوجِ على زوجته أن تستأذنه في تلك الزيارة، وحقُّ الزوجة على زوجها ألَّا يمنعها من ذلك.
ولقد جاءت السُّنَّة النبوية المطهرة بحثِّ النساء على أخذ الإذن مِن أزواجهن للخروج للشعائر والعبادات وحضور الصلاة في المسجد.
وحثِّ الرجال على السماح لهنَّ بالخروج؛ فعن ابْنِ عمر رضي الله عنهما.
قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» متفقٌ عليه.
وإذا كان ذلك مطلوبًا شرعيًّا فيما يتعلق بالمساجد والعبادات: ففي مطلوبيَّته فيما يتعلق بغيرهما أولى وآكد.
ففي الحديث عن أُم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟” متفقٌ عليه.
وحينما خصَّ اللهُ تعالى الزوجَ بدرجةٍ تجعله قائمًا على أمر زوجته ومسؤولًا عنها؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228].
استوجب ذلك مزيدَ الحرص منه على نجاتها وسعادتها في الآخرة؛ بمعاونتها على أداء حقوق الله تعالى التي عليها وعدم قطع رحمها.
ضوابط تنظيم زيارة الزوجة لبيت أهلها، وهل للعرف مرجع في ذلك؟
أوضح “علام” أن مرد الأمر في تنظيم تلك الزيارة إنَّما يرجعُ إلى الاتفاق بين الطرفين.
وإلى أعراف كلِّ بيئةٍ ومجتمعٍ وإلى المصلحة المُتَوَخَّاةِ فيها.
متى أمنت المرأة على نفسها الخروج، ومتى أذِنَ له زوجها في ذلك سواء كان بالإذن العام، أو بالإذن في كلِّ مرة.
حسب ما يتفق عليه الزوجان ويتراضيانه، خاصَّة وأنها مسألة تتعلق بالأحوال الشخصية.
وأنَّ المطالبة بذلك إنما تكون عند التنازع وتعارض الحقوق والمصالح بين الزوجين، وهو على خلاف الأصل.
ومن مبادئ القضاء التي سارت عليها المحاكم المصرية في مسائل الأحوال الشخصية: أن العرف معتبر إذا عارض نصًّا منقولًا عن صاحب المذهب.
وأن لكلِّ زمن أعرافَه وعاداته، وأن التخصيص بالعرف والعادة قولًا أو فعلًا حجة عند الحنفية، وأن العرف كما يختلف باختلاف الزمان والمكان.
فإنه يختلف أيضًا باختلاف الناس أنفسهم؛ كما في “مبادئ القضاء في الأحوال الشخصية” للمستشار أحمد نصر الجندي (ص: 867-868، ط. نادي القضاة).
ولا يخفى تغير كثير من الأعراف التي بنِيَت عليها بعض هذه الأحكام؛ فواقع المرأة المعاصر يشهد أنها لم تَعُدْ مقصورة على بيتها.
بل فرضت عليها طبيعةُ العصر أن تشارك الرجال في الخروج للتعلم والتعليم والعمل وتقلد الوظائف وقضاء المصالح.
وصارت موجودةً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.
ولم يعد خروجها لزيارة أبويها أو محارمها بخصوصها مظنة فتنة بعد أن خرجت بالفعل لكلِّ مناحي الحياة.
ومن ثَمَّ يدخل خروجها لزيارة أبويها ومحارمها في معنى الإذن العام لها بالخروج.
حكم منع الزوج زوجته من زيارة محارمها وأخواتها
قال “علام” أنه بناء على ذلك: فإن للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية.
والأولى في ذلك أن يكون الزوج مُعينًا لها عليه لا أن يكون حائلًا دونه، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما مجتمعة.
ولم نجد إثارة لهذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع، وهذا مما يحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
التعليقات