
المرض النفسي.. كم مرة شعرنا فيها بالمرض الجسدي، فاتجهنا إلى الطبيب لنشرح له الأعراض ويصف لنا الدواء المناسب.
لكن هذا الأمر يتوقف تمامًا عندما يتعلق الأمر بالجانب النفسي فلماذا؟
فإذا شعر أحد بالقلق أو التوتر ودام معه الشعور لفترة طويلة، تراه يتجاهل كل مشاعره ولا يعبأ بما قد يصل إليه الحال.
على الرغم من أهمية الصحة النفسية ودورها الفعّال في التأثير على حياة الفرد.
وفي هذا السياق أجرت «بوابة العالم» حوارًا مع دكتورة أميمة عبد الله مصطفى، دكتور الصحة النفسية والإرشاد النفسي جامعة عين شمس، للتعرف على رحلة الطب النفسي من جذوره التاريخية إلى الوعي المجتمعي بالصحة النفسية في العصر الحديث.

1- ما هو المعنى الحقيقي للصحة النفسية، وكيف تؤثر في قدرتنا على التكيف مع ضغوط الحياة وتحقيق رفاهيتنا؟
الصحة النفسية هي حالة من التوازن العاطفي والعقلي تمكن الفرد من التعامل مع تحديات الحياة، والعمل بفعالية، وتحقيق إمكانياته الذاتية، مع الحفاظ على شعور داخلي بالسلام والرضا.
فهي ليست مجرد غياب للاضطرابات، بل هي حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا.
والقدرة على بناء علاقات، واتخاذ قرارات إيجابية، والتكيف مع التغيرات والضغوط بنجاح.
2- لماذا يُعتبر مصطلح “الصحة السلوكية” الأنسب لتعريف الصحة النفسية والعقلية؟
يمكن القول أن تعريف “الصحة العقلية” يختلف نتيجة لعدة عوامل مثل الاختلاف الثقافي ونظريات العلماء.
يعتبر مصطلح “الصحة السلوكية” المصطلح الأمثل للتعبير عن الصحة العقلية.
ويأتي ذلك لأنها تعتبر حالة من التعافي يستطيع فيها المرء أن يدرك إمكاناته الخاصة ويتكيف مع حالات التوتر العادية بل ويعمل بشكل منتج ومفيد حتى يساهم في بناء مجتمعه.
3- كيف يمكن تعريف المرض النفسي وما هي أبرز أنواعه؟
يشير المرض النفسي أو كما يطلق عليه اضطرابات الصحة العقلية، إلى مجموعة كبيرة من أمراض الصحة النفسية.
وهي عبارة عن اضطرابات تؤثر على مزاجك وسلوكك وطريقة تفكيرك.
من أمثلة الأمراض النفسية الاكتئاب، والفصام، واضطرابات القلق، واضطراب الشهية.
والكثير من الأشخاص يتعرضون لمشاكل تتعلق بالصحة العقلية من وقت لآخر.
لكن يصبح الأمر مرضًا نفسيًا عندما تؤدي هذه الأعراض إلى إجهاد متكرر يؤثر على قدرتك في العمل.
4- من المعروف أن الطب النفسي ليس وليد العصر بل له جذور ممتدة منذ القدم فكيف كان ينظر إلى المرض النفسي قديمًا؟
عرف الإنسان الاضطرابات النفسية منذ القدم، حيث كان يعتقد أنها تحدث جراء قوى خارقة للطبيعة، مثل الأرواح الشريرة، والسحر.
وبالتالي استند الإنسان في علاجها على الرقي والتعاويذ والتمائم وذلك طبقًا للمعتقدات الروحية والإجتماعية المنتشرة آنذاك.
ففي الحضارة اليونانية اعتقد الناس أن الشفاء من الأمراض النفسية يستلزم نوم المريض في هيكل خاص.
وذلك حتى يتم شفاؤه بمعجزة تحل بجسده في الليل.
5- هل كان هناك متخصصين للطب النفسي قديمًا، وكيف تطور وعي المجتمع بأهمية الطب النفسي؟
بدأت الدراسة العلمية للاضطرابات بشكل مبني على المهارة الإكلينيكية والخبرة التجريبية على يد أبقراط.
ومن بعده جالينيوس اللذان اعتبرا أن الأمراض النفسية لا تنشأ عن الأرواح الشريرة كما كان يُعتقد آنذاك.
يعتبر الطب النفسي من المجالات التي تطورت تطورًا كبيرًا على يد العرب في العصور الوسطى بين القرنين 16 و 17م.
فقد أدرك الأطباء العرب في العصور الوسطى أهمية الحالة النفسية وأثرها على وظائف أجهزة الجسم المختلفة.
فمثلًا حالات الانقباض والفرح والحزن والخجل تؤثر بشكل مباشر في سلوك الإنسان ووظائف جسمه، وقد تؤدي به إلى الجنون أو فقدان العقل.
هنالك عديد من الأطباء الذين اتجهوا لعلاج تلك الأمراض، ووضعوا نظرياتهم وآراءهم في مئات الكتب لكن لم يصلنا منها سوى قليل للأسف.
كما يوجد عدد من الأدلة التاريخية على ريادة الطب العربي في هذا المجال.
6- بناء على اسهامات العرب في الطب النفسي، كيف اهتم العرب بالمرض النفسي قديمًا؟
خصص العرب أقسامًا لمعالجة أصحاب الأمراض النفسية والعقلية في كل بيمارستان -كلمة فارسية معناها مستشفى- مثل بغداد، ودمشق، والقاهرة، وقرطبة.
وفي البيمارستان يتلقى المريض معاملة كريمة تليق به كإنسان، وعناية طبية خاصة على يد أمهر وأفضل الأطباء في العلاج النفسي.
وقد استطاع أبو بكر الرازي علاج بعض الأمراض التي اعتبرها الآخرين مستحيلة الشفاء، مثل المالنخوليا، والصرع.
وقام بتأليف كتابه «الطب الروحاني» بغرض إصلاح أخلاق النفس.
أما الطبيب جبرائيل بن يختيشوع، والذي يُعد أحد أهم الأطباء الذين أسهموا في هذا المجال، تمكن من علاج فتاة تعاني من نوع من أنواع الفصام يُطلق عليه الفصام التصلبي باستخدام ما يُعرف حاليًا بالعلاج السلوكي الذي يهتم بعلاج العرض الملاحظ.
كما تكمن ابن سينا من التعرف على ما يُسمى اليوم بالأمراض الوظيفية، وهي عبارة عن أمراض تحدث نتيجة لأسباب نفسية.
وتشمل كلًا من الأمراض العقلية والنفسية؛ كالاكتئاب والأرق والفصام، والهوس وجنون العظمة والسكتة الدماغية.
وقد خصص ابن سينا 3 فصول في كتابه «القانون في الطب» للحديث عن طب النفس والأعصاب.
كما يحتوي الكتاب على وصف مفصل لمرض الفُصام.
واستخدم أوحد الزمان البلدي في علاجه لحالة الهلاوس ما يُعرف بالعلاج بالإيحاء، وهي طريقة تساعد المريض على التخلص من اعتقاده الفاسد.
فيتضح مما سبق ريادة العلماء العرب واهتمامهم بالطب النفسي، في الوقت الذي كان الاعتقاد السائد في أوروبا في العصور الوسطى أن الأمراض النفسية والعقلية هي لعنة من السـماء وعقابًا للمصاب على إثم ارتكبه، أو أن شيطان يعيش في جسده.
7- كلمة من حضرتك عن ضرورة إحداث نوع من التفهم المجتمعي للأمراض النفسية
من الضروري تعزيز الفهم المجتمعي للأمراض النفسية وزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية، التي تعادل في أهميتها الصحة الجسدية، بل قد تكون أكثر أهمية في بعض الحالات.
فهناك العديد من الأمراض النفسجسدية، مثل اضطرابات القولون والمعدة والصداع النصفي، التي يكون أصلها نفسي وليس عضوي.
والمشكلة أننا في ثقافتنا عادة ما نعتبر الصحة النفسية أمرًا ثانويًا أو مجرد حالة مؤقتة يمكن التعامل معها بمفردنا، دون الحاجة إلى تدخل متخصص.
لذلك يجب التشجيع على العلاج النفسي وضرورة استشارة المتخصصين عند الشعور بتدهور الحالة النفسية أو حدوث تغيرات مفاجئة في المزاج دون معرفة السبب.
كما يعد وجود شخص موثوق للحديث معه أمرًا بالغ الأهمية في مثل هذه الحالات.
التعليقات