دور بيت الصدّيق في الهجرة النبوية
بقلم/ سليمان أبوبكر أولنريوجو فولارنمي
ماجستير التاريخ والحضارة -التاريخ الإسلامي- جامعة الأزهر الشريف
يعدّ عبد الله بن عثمان (أبوبكر الصديق) من كبار صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام – وهو أول من أسلم على يده الشريفة من الرجال.
كان يسمّى في الجاهلية عبد الكعبة فسماه الرسول-عليه الصلاة والسلام – عبد الله؛ لأنه لا عبودية بحقٍّ إلا لله تعالى.
وكانت كنيته في الجاهلية كما هي في الإسلام (أبابكر)- رضي الله عنه-.
وهب الله أبابكر ولدا اسمه عبد الله، وبنتين هما:أسماء وعائشة، ولم أعثر على اسم أمهم في المصادر.
بعد توافد الصحابة- رضوان الله عليهم- على المدينة- إلا علي بن أبي طالب وأبوبكر وأسرته-، مكث النبي أياما بمكة ينتظر إذن ربه؛
إذ أنه لا يفعل فعلا ولا يقول قولا يمتّ إلى الدين بصلة إلا بما أوحي إليه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ * إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ}[النجم/٣-4].
نزل جبريل- عليه السلام- إلى الرسول بعد فترة برسالة الإذن بالهجرة، فبشّر به أبا بكر، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله! قال: “الصحبة”، فبكى أبو بكر.
بناءً على ذلك، رسم أبوبكر -رضوان الله عليه- خطة ماهرة أشرك في تنفيذها أهل بيته- رضوان الله عليهم جميعا-.
أعدّ أبوبكر الصديق راحلتين له ولصاحبه رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، وذلك بعد أن استأذن من الرسول من قبل بالهجرة فقال له:
« على رسلك، فإني أرجو أن يؤذَن لي» فقال أبوبكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال:« نعم» فحبس أبوبكر نفسه على رسول الله- عليه الصلاة والسلام-ليصحبه.
ومن دوره- رضوان الله عليه- الصحبة من بيته- رضوان الله عليه- إلى غار في جبل الثور، ومن الغار إلى يثرب (المدينة المنورة).
قال ابن شهاب:
قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة قال قائل لأبي بكر :
هذا رسول الله- عليه الصلاة والسلام- متقنعا- في ساعة لم يكن يأتينا فيها-
فقال أبوبكر فداك أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله- عليه الصلاة والسلام- فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي-عليه الصلاة والسلام – لأبي بكر: «أخرج من عندك» فقال أبوبكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال« فإني قد أذن لي الخروج».
فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله! قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام -«نعم»…
قالت عائشة:
فجهزناها(يعني: الراحلة) أحب الجهاز، وصنعنا لهما سُفرة في جراب.
فقطعت أسماءُ بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق.
قالت: ثم لحق رسول الله – عليه الصلاة والسلام – وأبوبكر بغار في جبل ثور. فمكثا فيه ثلاث ليال…
كما يعَدّ من أدوار أبي بكر الجليلة، أنه استأجر عبد الله ابن أريقط الدولي من بني بكر بن عبد مناف؛ ليدل بهما إلى المدينة وينكب عن الطريق العظمى، وكان كافرا وحليفا للعاص بن وائل، لكنهما وثقا بأمره وكان دليلا بالطرق.
هذا، إلى جانب أمواله التي حملها جميعا فداءً لحبيبه- عليه الصلاة والسلام-.
عملا بالخطة التي رسمها أبوبكر الصديق- رضوان الله عليه- قدّم ابنه عبد الله خدمة جليلة في سبيل الهجرة النبوية.
كان عبد الله بن أبي بكر يتسمّع ما يجري بين قريش عما يخص كلا من رسول الله وأبي بكر، وذلك من الصباح إلى المساء، فينقله إليهما في الغار، ويبيت معهما الليل، ثم يصبح مع قريش صباحا كأنما بات في أوساطهم- رضوان الله عليه-.
كما كان لذات النطاق دورها الجليل الذي قامت بها في سبيل الهجرة المصطفية العظيمة.
كل مساء تُعد الوجبة التي تكفيهما، فيحملها عبد الله معه إلى الغار في خفاء عن أعين قريش، حين ينزل بأخبار قريش-رضي الله عنهما-.
وقد يسأل القارئ المخلص الماهر كيف لا تدري قريش عبر آثار الأخمص، وهم أرباب في تعيين الأنساب بها؟
والجواب:
كما أكّدت المصادر أنّ أبابكر الصديق من أعلم العرب بالأخمص، فلن يُتوقّع أنه سيغفل أن يرسم ذلك في صميم خطته.
فقد جهّز أبوبكر- رضوان الله عليه- رجلا اسمه عامر ابن فهيرة وهو مولى أبي بكر وراعي غنمه، كان يُتبع أثر عبد الله بالغنم كلما مرّ؛ ليمسح به آثار أخمصه.
فمن أكبر دور ذكره العلماءُ هو دور أمنا عائشة- رضي الله عنها- وذلك أنها حفظت لنا أحداث الهجرة وروتها بعد وفاة النبي- عليه الصلاة والسلام- ورضي الله عن أم المؤمنين.
والخاتمة:
إن الله-جل ثناؤه-أكد في كتابه المحكم أنه ناصرُ نبيه- عليه الصلاة والسلام – ولو اعتزله المسلمون كافة.
وهذا أبوبكر الصديق معمول بالعامل الواحد النصير- سبحانه-، فعلى ذلك يتبيّن أن أبابكر وأسرته المأجورة يدٌ ناصرة من الله تعالى.
قال- جل في علاه-:
( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (التوبة/٤٠).
قال الطبري في تأويل قوله تعالى:(إذ أخرجه الذين كفروا) بالله من قريشٍ من وطنه وداره، (ثاني اثنين). يقول: أخرجوه وهو أحد الاثنين، أي: واحد من الاثنين.
وإنما عنى جل ثناؤه بقوله:(ثاني اثنين). رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وأبابكر- رضي الله عنه-في الغار.
والغار النقب العظيم في الجبل، (إذ يقول لصاحبه). إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر:(لا تحزن).
وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له رسول الله-عليه الصلاة والسلام -:( لا تحزن).
لأنّ الله معنا والله ناصرنا، فلن يعلم المشركون بنا، ولن يصلوا إلينا.
وبه قال الزمخشري في الكشاف، في قوله تعالى:(ثاني اثنين)قال: أحد اثنين كقوله:(ثالث ثلاثة) وهما: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبوبكر الصديق-رضي الله عنه-.
فأسأل الله تعالى أن يجزي أبابكر وأسرته عن الأمة المحمدية خير جزاء، وأن يباركني وذريتي ببركة القرآن الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قائمة المصادر:
– جار الله الزمخشري: الكشاف.
– ابن جرير الطبري: تأريخ الطبري وتفسيره.
– عبد الرحمن بن خلدون: تاريخ ابن خلدون.
– علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير: الكامل في التأريخ، تحقيق خيري سعيد.
– محمد محمد عبد القادر الخطيب، أستاذ التأريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: تاريخ الخلفاء الراشدين.
دور بيت الصدّيق في الهجرة النبوية
التعليقات