الهزائم والاخفاقات دافع لتحقيق الانتصارات
عمرو عبدالرحيم سليمان

الهزائم والاخفاقات دافع

بقلم/ عمرو عبدالرحيم سليمان

مدرس مساعد بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر

 

لن يكون طريق النهضة المنشودة والتقدم الذي يرنو إليه المسلمين مفروشا بالورود.

بل سيتخلله عقبات وصعوبات عدة وربما اخفاقات متتابعة؛ بسبب تربص العدو تارة بنا.

أو بسبب التناحر والاختلاف بين المسلمين تارة أخرى، أو بسبب الخيانات الداخلية.

فالمسلمون بعد النصر الكبير الذي حققوه في بدر تربص بهم الكفارة جمعوا لهم جيشا من ثلاثة ألف مقاتل.

وضعوا فيه كل إمكانيتهم العسكرية والاقتصادية لكسر شوكة المسلمين في محاولة منهم للانتقام من الذي حل بهم في بدر.

فشاور النبي ﷺ صحابته الكرام عملا بقوله تعالى:

(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) آية 38 سورة الشورى.

فكان رأي كبار الصحابة من الأنصار والمهاجرين بوجوب البقاء في المدينة للتحصن بها وقدرتهم على محاربة العدو وهم داخلها.

وعلى العكس كان رأي شباب الصحابة بالخروج خارج المدينة لمحاربة الكفار كي لا يظن الكفار أن المسلمين قد أصابهم الخوف.

أو خارت قواهم في مواجهتهم، وكان رأيهم هو الأكثر عددا ولكنه الأقل واجهة فنزل عليه الرسول ﷺ لكثرتهم.

فلما تحرك الجيش عاد كبير المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول بثلاثمائة مقاتل معتذرا بأن الرسول ﷺ ترك رأيه ونزل على رأي الصغار.

وكانت تلك أول عقبة تواجه الجيش هو عودة ثلثه، بمعنى أن ثلث الجيش كان المنافقين أو بمعنى أدق طابورا خامسا.

في الظاهر مع المسلمين وفي الباطن هم من الأعداء.

فلما نزل الجيش عند جبل أحد انتخب الرسول ﷺ خمسينا من الرماة النجباء ووضعهم أعلى الجبل.

ليحموا ظهور المسلمين مخافة  التفاف الكفار عليهم من خلفهم ومحاصرتهم من الأمام والخلف.

ووضع على قيادتهم الصحابي الجليل عبد الله بن جبير وطلب منهم بعدم النزول من على الجبل إطلاقا حتى لو هزم المسلمون وتخطفهم الطير

فلما أطاع الجنود أمر قائدهم نصرهم الله نصرا مؤزرا ، فلما شاهد الرماة النصر يتحقق والكفار يفرون نزلوا من على الجبل لجمع الغنائم.

فناشدهم عبد الله بن جبير بإطاعة أمر الرسول ﷺ وعدم النزول لكنهم لم يلتفتوا لقوله.

فشاهد خالد بن الوليد – وكان وقتها مشركا –  نزول الرماة فاستغل الأمر وتكمن من محاصرة المسلمين.

ووضعهم بحالة أشبه بالكماشة من الأمام الخلف وهُزم المسلمون وأصيبوا إصابة بالغة حيث جرح الرسول ﷺ في وجه الشريف.

استشهد سبعين صحابيا على رأسهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير.

وتغيرت الأحوال وتبدلت من النصر لهزيمة بسبب مخالفة أمر الجند لقائدهم ومحاولتهم جمع الغنائم قبل تحقيق النصر الكامل.

ونزل القرآن يلوم الصحابة على ما وقع منهم من تقصير وتهاون في طاعة الأوامر فقال الحق:

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) سورة ال عمران.

 فأدرك الصحابة هذا الأمر وعلموا أن التقصير في تنفيذ الأمر يعد بمثابة الخيانة لله ولرسوله وللأمة.

وأن طريق النصر له عوامل عدة إذا تخلف منها عامل ربما انقلبت الآية عليهم من نصر لهزيمة وهذا الأمر يستوي فيه وجود الرسول ﷺ بينهم من عدمه.

لذلك لا تجد المسلمين تعرضوا في حياة النبي ﷺ بعد أحد لمثل هذا الهزيمة في غزوة من الغزوات أو سرية من السرايا.

وأصبح النصر حليفهم فيما بعد، فهم قد أخذوا من اخفاقهم في أحد عبرة وعظة ظلت مستمرة معهم طوال معاركهم.

ولم يجعلوا أمر الهزيمة موهن لقوتهم أو مضعف لعزيمتهم

بل إنهم خرجوا في اليوم التالي للمعركة لملاحقة المشركين في غزوة تسمى حمراء الأسد وأصر الرسول ﷺ على الخروج.

حتى لا يعتقد الكفار أن ما حدث بأحد قد أهون عزيمتهم، كما أنهم خرجوا لبدر في العام التالي لملاقاة المشركين.

بقيادة أبي سفيان بن حرب- وكان كافرا- كما تواعد مع النبي ﷺ على الحرب.

لكن الكفار كدأبهم خافوا من ملاقاة المسلمين  فرجعوا من الطريق عند علمهم بخروج الرسول ﷺ وظل المسلمون ببدر عدة أيام في انتظار الكفار ثم لما تأكدوا من عدم قدومهم عادوا للمدينة.

 

الهزائم والاخفاقات دافع

 

وقريب من معركة أحد موقعة لقاء القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين.

لأول مرة في معركة مع الصليبيين في مدينة الرملة عام 537هـ/ 1178م

عندما جهز جيشا وهاجم الصليبيين فانفتحت أمامه المدن والقرى وسيطروا عليها.

فلما وجد الجند الأمر سهلا تفرقوا  في القرى وتركوا الجيش يبحثون عن الغنائم والأموال.

فاستغل الصليبيون قلة عدد جند صلاح الدين الذين معه فهجموا عليه وقتلوا جنده وفر الباقون إلى الصحراء حيث ماتوا جوعا وعطشا.

وبالكاد نجى صلاح الدين بعد مشقة وجهد خلال رحلة فراره إلى مصر.

وبعدها أدرك صلاح الدين أن هجومه على الصليبيين لن يكون فاعلا طالما أنه لم يكمل بناء الجبهة الإسلامية الموحدة.

وأن قرار مهاجمة الصليبيين لابد أن يكون بعد استعدادات وتخطيط وحسن توجيه وحشد منظم للإمكانيات.

لذلك كانت معاركه التي تلت هذه المعركة حقق فيها نجاحا منقطع النظير حتى تكلل جهوده بفتح بيت المقدس وطرد الصليبيين منه عام 583هـ/ 1187م.

فعلى الباحثين عن النهضة المنشودة والتقدم المأمول أن يكونوا ذا إرادة قوية وعزيمة صلبة لا تأثر فيها المحن والأزمات.

بل تزيدها صلابة وقوة وإصرار على بلوغ الهدف المنشود.

فعدونا لن يترك لنا طريقا يسلكه المسلمون لنهضتهم إلا وسيضعون فيه العراقيل والمشاكل.

بغية بث الضعف والوهن في قلوب المسلمين فبعد معركة أحد أخبر الحق تعالى المسلمين أنهم هم الأعلون رغم ما أصابهم فقال:

(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آية 139 سورة آل عمران.

فإذا كنا  نحن الأعلون فلا يحق لنا أن نكون مؤخرة الأمم، وعلينا أن نتعلم من هزائمنا واخفاقنا حتى لا نقع فيما وقعنا فيه سابقا.

الهزائم والاخفاقات دافع

التعليقات