الإمام الرائد وتجديد الإنسان 3
إبراهيم الصوفي

تجديد الإنسان

بقلم/ إبراهيم الصوفي

معيد بكلية الدعوة الإسلامية

 

في المقال السابق بينا أن أشد حاجات العصر الذي نعيشة ضرورة هو إعادة الاعتبار للإنسان.

وسبب ذلك أن قضايا الإنسان وفقًا لما يراه محمود حمدي زقزوق أول القضايا التي يجب أن تبحث.

والتي ينبغي أن تكون دائمًا محور البحث؛ لأنها القضية الكبرى في هذا الوجود وما عداها من قضايا ليس إلا تفريعات عنها.

وهذا ما دفع علماء المسلمين لبحث سؤال الإنسان خاصة في هذا العصر الذي طغت فيه مشكلات الإنسان.

إلا أن مشكلة الإنسان في المجتمعات الإسلامية تباين مثيلاتها في المجتمعات غير الإسلامية، فهي في الثانية مشكلة ديناميكة.

واختلال توازن بين المادية والروحية، وفي الأولى ليست مجرد مشكلة مادية، بل مشكلة تجديد الإنسان.

حيث يحتاج الإنسان إلى إعادة تأهيل ليستعيد فاعليته الحضارية حسب ما يراه مالك بن نبي.

وهذا التحديد لمشكلة الإنسان في مجتمعاتنا هو ما دفعني إلى اختيار هذا العنوان(الإمام الرائد وتجديد الإنسان).

ومن الثابت المعروف لمن له علاقة بمجال التداول في قضايا الإنسان، أن ثمة أسئلة وجودية يطرحها إنسان كل عصر على نفسه، وأن الفلاسفة والمفكرين اشتغلوا بتقديم الإجابات عنها.

وهذه الأسئلة هي: سؤال المبدأ، والمصير، ثم سؤال الغاية من الوجود، وهي ما يمكن تسميتها( ثلاثية الوجود الإنساني).

وما من شك في أن النصوص التأسيسية للإسلام- القرآن الكريم والسنة النبوية – قدمت إجابات لهذه الثلاثية.

حتى ذهب بعض العلماء إلى أن الغرض القرآني محصور في أمرين اثنين:

الأول: تفسير معضلة الوجود وموقع الإنسان منها.

الثاني: بيان الوظيفة المنوطة بالإنسان من حيث أُذن له أن يكون عنصرًا من عناصر هذا الوجود.

وإذا كانت قضية الخلق، وما يلزمها من وجود ثنائية ( الخالق والمخلوق) أحد أهم القضايا التي اعتنى بها البيان القرآني منذ أول لقاء بين رسول الوحي” سيدنا جبريل  عليه السلام”، وخاتم النبين سيدنا( محمد صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى جاء القرآن الكريم بقوله:

﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ ۝١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ﴾ [العلق ١-٢].

فإننا نجد في تراث الإمام محمد زكي الدين إبراهيم ما يفهم منه اهتمامه بقضية” الخلق”.

 

حيث ألف رسالة ما زالت مخطوطة بعنوان” البداية أو تدرج النشأة الكونية”، وهي رسالة مجملة عن بداية الكون، ومادة وجوده، وحركة الأرض، وتاريخها، والمجموعة الشمسية، والمأمول من الله تعالى أن ييسر لها خروجًا إلى حيز التحقيق والنشر، لتعم بها الفائدة، ولتفتح بابًا جديدًا في قراءة شخصية الإمام الرائد رضي الله عنه.

وأما خلق الإنسان، فالإمام الرائد يؤكد الثنائية في خلقه، فهو مخلوق من روح وجسد، يقول رحمه الله:

هو الإنسانُ روحٌ سَرْمَدِيٌّ ** أثيرٌ بالخلودِ وَبالْحسَابِ

وما الأبدانُ فوقَ الأرضِ إلا ** نتوءٌ وامتدادٌ للتُّرَابِ

وهذا القول منه رحمه الله تعالى تصديقًا لفلسفة الإسلام في خلق الإنسان، وأنه مخلوق” ثنائي البُعد”، وليس كما يدعي فلاسفة الغرب أنه” ذو البعد الواحد”، بل الثنائية فيه تقوم دليلًا واضحًا على أن الإنسان بصفة أساسية لا يوجد إلا بفعل الخلق الإلهي، كما قال الحق عز وعلا:

﴿إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ ۝٧١ فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ ﴾ [سورة:ص].

وبهذا التصور الذي يقدمه الإسلام عن الإنسان في طبيعته، يفارق الإنسان غيره من الموجودات ذات البعد الواحد، ويبدأ الإنسان رحلته في التعامل مع كلا البعدين فيه، وبحثه عن المنهج الذي يغذي لديه كلا البعدين، وتظهر إرادة الإنسان في هذا الاختبار الدقيق، هل يميل إلى التراب والانحطاط، أم يتسامى إلى أعلى قمة في الوجود؟!.

والسؤال السابق يثير سؤالًا جديدًا: ما منهج الإمام الرائد في التعامل مع ثنائية الإنسان( روح وجسد)؟

والإجابة عن هذا السؤال هي محل الحديث في المقال القادم إن شاء الله تعالى

تجديد الإنسان

التعليقات