رسائل الهجرة من بين السطور
الشيخ محمود ربيع

بقلم/ الشيخ محمود ربيع

لو وضع كل إنسان دورس الهجرة بين عينيه لكفته دستورًا ومنهجًا في حياته؛ ليكون إنسانًا مثاليًا في علاقته بربه وبنفسه والناس من حوله، ونحن نعيش مع الهجرة النبوية المباركة أيامًا معدودات، نستخلص منها العبر، وإن شئت فقل الجواهر والدُرَر.

أما الجوهرة الأولى فاسمها «حب الوطن»
هذه القطعة من الأرض التي استقبلت جسدك، وكانت عليها حياتك الأولى مع أهلك وأصدقائك، سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاش على أرض مكة أربعين سنة قبل البعثة، وثلاث عشرة سنة بعدها، لتكمل العدة ثلاث وخمسون سنة بالتمام والكمال، فكان يحبها حبًا جمًّا، وقد فزع فزعًا شديدًا لما قال له ورقة بن نوفل في بداية البعثة:
ولو كنت جزعًا إذ يخرجك قومك لنصرتك نصرًا مؤزرًا.
هذه الكلمات التي نزلت على سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فزلزلت فؤاده حتى أنسته سبب مجيئه، فقال في استغراب ولوعة وحزن:
أوَ مُخرجيّ هم؟
أيعقل أن أخرج مكرهًا من وطني؛ لأعيش مكرهًا بعيدًا عنه؟!
ظلت هذه الكلمات عالقة في ذهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يتمنى ألا يأتي هذا اليوم!
فكان إذا خرج من مكة ليدعو الناس سرعان ما يرجع إليها!.
حتى جاء الإذن وإن شئت قل الأمر بالفراق
هذه اللحظة التي كان منها على وَجَل، فيخرج منها يملؤه الأسى ويغمره الحنين وهي نصب عينيه، وهو يقول:
والله إنك لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منَ ما خرجت.
وظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غار ثور على أطراف مكة ثلاثة أيام، وكأنه لا يريد أن يفارقها، أو أن يقلب نظره في غيرها، ولكنها إرادة الله ومشيئته.لم يكن هذا الأمر بالسهل ولا باليسير على سائر المواطنين الشرفاء، حتى أن منهم من مرض مرضًا شديدًا حتى أشرف على الهلاك كسيدنا أبي بكر وسيدنا بلال!ولما دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة في عمرة القضاء، وكان قد تعاهد مع المشركين على ثلاث ليال لا تزيد ولا تنقص، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج من مكة حتى احتج المشركون على وجوده بعد الأيام الثلاث.

الوطن الذي حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه عندما فتح مكة منتصرًا مظفرًا، فنهى حتى عن ترويع أهله، واحترم كبيرهم أيما احترام ولم يكن قد أسلم يومئذ، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!
فاين من يبيعون اوطانهم بغرض من الدنيا قليل من رسول الله صلى الله عليه وآله وحبه لوطنه؟!

التعليقات