بقلم/ الشيخ محمود ربيع
لم تكن العلاقة بين الصحابة والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- علاقة صحبة فقط، ولا مجرد حب، ولكنه التعلق، كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بالنسبة لهم هو الوطن الأصلي، هو الهواء الذي يتنفسونه، هو العِوض عن أي فقد مهما عظم ولو كان فقد الآباء والأبناء!
هذه العلاقة تتجلى بوضوع في موقف سيدنا أبي بكر الصديق يوم هجرته مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ففي يوم الهجرة يخرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من بيته قاصدًا بيت صاحبه أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، خرج في ساعة الظهيرة، وهو وقت لا يزور النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فيه أحدًا مهما بلغ ما بينهما من مودة، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها – كما روى أحمد في مسنده – قد استغربت قدوم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذه الساعة، فقالت: فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة لم يكن يأتينا فيها.
ومن الجدير بالذكر أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مان دائم الزيارة لسيدنا أبي بكر الصديق، فلا يمر يوم إلا ويزوره صباحًا أو مساءً.
لكن هذه الزيارة تختلف كليًا عما سبقها من الزيارات، فهي زيارة للتاريخ!
لا، أي تاريخ هذا، بل هي زيارة تدخل صاحبها في الرضوان يقف النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – على سيدنا أبي بكر، فينظر عن يمينه فيرى (أسماء بنت أبي بكر)، وينظر عن يمينه الأخرى فيرى (عائشة بنت أبي بكر) وهو لا يعرفهما، فقال:
يا أبا بكر! أخرج من عندك.
فقال سيدنا أبو بكر: يا رسول الله! إنما هما ابنتاي أسماء وعائشة!
فقال: يا أبا بكر! إن الله قد أذن لي بالهجرة
في هذه اللحظة نسي أبو بكر ابنتيه أسماء وعائشة، بل وسائر أولاده وأهله أجمعين..
في هذه اللحظية لم يضع نصب عينيه إلا المعية، فقال: الصحبة يا رسول الله!
فقال سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، الصحبة يا أبا بكر
لم يتمالك أبو بكر نفسه! هذا الرجل الخمسيني الذي شابت رأسه ولحيته بكى بكاء الصبي من شدة فرحه بمرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وتصف لنا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – هذا المشهد المهيب الغريب فتقول: ما كنت أحسب أن أحد يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ!
فرح بمرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأبه لوالد ولا ولد ولا أهل ولا بلد؛ لأنه يرى في النبي صلى الله عليه وآله وسلم العوض عن الدنيا وما فيها!. فهل منكم من يهاجر من كل ما يشغله إلى حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بروحه وقلبه؟!
التعليقات