الديجافو.. أحيانًا يمر عليك أحد المواقف ويراودك شعور بأنه قد مر عليك سابقًا.
فمثلًا أنت على طاولة الطعام وسط أصدقائك المقربين تتبادلون أطراف الحديث وفجأة تشعر بأنك رأيت هذا المشهد سابقًا.
فما السر وراء هذه الظاهرة المنتشرة؟ وهل هي أمر طبيعي أم مؤشر للإصابة ببعض الأمراض الدماغية كما هو متداول؟
ما هي ظاهرة الديجافو؟
يطلق على هذه الظاهرة اسم الديجافو (Déjà vu) وهي كلمة فرنسية الأصل تعني “شوهِد من قبل”، وتطلق على المواقف والأحداث التي يمر بها بعض الأشخاص ويشعرون أنهم سبق ومروا بها قبل ذاك الحين.
وتعتبر الديجافو ظاهرة عامة يمر بها أكثر من ثلثي البشر حتى وإن كانت لمرة واحدة فقط في حياتهم.
وطبقًا للإحصائيات فإن الديجافو لا تحدث إلا للأشخاص الأكبر من 8 سنوات، ومع بلوغ الشخص العشرينات تبدأ الظاهرة بالتزايد تدريجيًا، إلا أنها تقل مرة أخرى في سن 70 أو 80 كما كانت في فترة الطفولة.
الأمر الذي جعل بعض الباحثين يربطون بينها وبين النمو الدماغي الخاص بالإنسان.
ففي مرحلة الطفولة يكون النمو الدماغي قليل نسبيًا، ومع التقدم في العمر مرورًا بمرحلة الشباب يزداد النمو الدماغي بكثرة إلى أن يصل إلى سن معين، ثم يعاود النمو بمنحنى أبطأ وأقل.
ما هو سبب ظاهرة الديجافو؟
من أوائل التفسيرات التي وضعت لفهم الظاهرة كان ارتباطها بحالات الصرع التي تصيب الإنسان.
مما جعل مرضى الصرع الأكثر عرضة للإصابة بالديجافو، كذلك لا يسلم منها الأشخاص دائمي القلق والتوتر.
بالإضافة لوجود أنواع معينة من الأدوية تساهم في حدوث الظاهرة بشكل كبير، ولكن ما يزال هذا التفسير تفسيرًا مبدئيًا ليس إلا.
النظرية الأولى: المعالجة المزدوجة
تكمن أول محاولة لفهم الديجافو في ظاهرة المعالجة المزدوجة التي تحدث في المخ، وتكون عند حدوث عمليتين في نفس الوقت داخل المخ ولكن يحدث خلل في التزامن بين العمليتين.
فكما هو معروف يوجد جزءان في الدماغ لتخزين الذكريات والأحداث.
الأول مسؤول عن الذاكرة قصيرة المدى والثاني مسؤول عن الذاكرة طويلة المدى.
لكن عند حدوث خلل في تزامن العمليتين يقوم المخ بتخزين الحدث الذي يراه الآن في الذاكرة طويلة المدى، وبعد ذلك بجزء من الثانية يخزنها في الذاكرة قصيرة المدى.
هذا الأمر يجعل المخ يشعر بأنه مر بالموقف قبل ذلك، وأن الحدث الواقع أمام ناظريه هو عبارة عن حدث قديم على الرغم من كونه حدث جديد يقع الآن فعليًا.
النظرية الثانية: الألفة
تقول النظرية أن سبب حدوث الديجافو معتمد بشكل كلي على الألفة.
بمعنى أنك ترى موقف حالي مشابه لموقف قد عشته قديمًا، مما يجعلك تخلط بين الحدثين وتشعر بأنك مررت بنفس الموقف سابقًا.
النظرية الثالثة: خلل في الجهاز العصبي
على نقيض نظرية الألفة قد يشعر الشخص بالديجافو في مكان لم يسبق له رؤيته أو رؤية مثيل له في ذكرياته الماضية.
وهنا تبطل نظرية الألفة وتظهر نظرية جديدة تقوم على وجود خلل في عمليات الجهاز العصبي.
يعني ذلك أن الإشارات الداخلة إلى المخ تتأخر في الوصول.
فمثلًا عند رؤيتك لمنظر طبيعي تقوم كل عين على حدى بالتقاطه ونقل البيانات إلى جزء معين في المخ “القشرة البصرية” المسؤولة عن الرؤية.
ولكن طبقًا لهذه النظرية فإن إحدى العينين ترسل البيانات للقشرة البصرية، بينما العين الأخرى تتأخر في إرسالها مما يؤدي إلى استلام المخ للبيانات مرتين على التوالي.
لهذا يشعر المخ بالألفة في المرة الثانية لأنه رأى الشيء سابقًا ولكن للحظات معدودة، فيتعامل مع المرة الأولى كأنها ذكريات ويقارنها بالمرة الثانية مما يسبب الديجافو.
تفسيرات لا أساس لها من الصحة عن ظاهرة الديجافو
ظهرت تفسيرات أخرى تحاول دراسة ظاهرة الديجافو وتقديم سبب لحدوثها، ولكن هذه التفسيرات لم تعتمد على أساس المنطق أو العلم أو العقل أو الشرع لذا بقيت محض افتراضات نورد منها:
1- الجنين في رحم أمه
حاول علماء ما وراء الطبيعة ربط الديجافو بالفترة التي يقضيها الجنين في رحم أمه.
وذكروا بأن الجنين يرى شريط حياته بالكامل أثناء وجوده في الرحم.
ويتذكر بعض الأحداث عندما يتعرض لها مرة أخرى، ولكن لم يوجد ما يؤكد صحة هذا الافتراض لا علميًا ولا شرعيًا.
2- الأكوان المتعددة
ربط بعض الباحثين الديجافو بنظرية الأكوان المتعددة.
وأوردوا أن مرورك بموقف يشعرك بسبق رؤيته هذا يعني أن نسخة من نسخك الأخرى الموجودة في ألوان موازية مرت بنفس الموقف قبل ذلك، لذا عندما مررت به حدث بينكما تواصل وشعرت بالديجافو، ولكن فرضية الأكوان المتعددة لا علاقة لها بالديجافو.
3-أحلام منسية
تقول الفرضية أن ظاهرة الديجافو ما هي إلا أحداث سبق لك رؤيتها في أحلامك لكن نسيتها مع مرور الأيام.
إلا أنك عندما تمر بأحداث مشابهة لها يبدأ عقلك باسترجاع هذه الأحلام، ولكن هذا الكلام ليس سوى فرضية غير مثبتة.
4- حياة سابقة
مجموعة أخرى تقول بأننا كنا نعيش حياة أخرى قبل هذه الحياة ولنا ذكريات أخرى مرتبطة بها.
وعندما نرى شيء في حياتنا الحالية قريب الشبه من الحياة السابقة نشعر بالديجافو.
ولكن ذلك ليس إلا إدعاء لا أساس له وغير مقبول بالمنطق أو العقل.
ما هي أنواع الديجافو؟
اتفق العلماء على تقسيم الديجافو إلى ثلاثة أنواع تتضمن ما يلي:
النوع الأول deja vecu:
أي تمت رؤيته سابقًا وهي أكثر الحالات انتشارًا بين الناس.
وعادةً ما يكون هذا الحدث غير مهم أو ذو تأثير واضح على أحداث حياتنا.
النوع الثاني deja senti:
ويختلف عن سابقه بأنه لا يكون هناك أحداث أو مواقف نستشعر حدوثها مسبقًا.
وإنما أفكار أو جمل تخطر ببالنا ونشعر بأنها قد خطرت مسبقًا.
النوع الثالث deja visite:
يعتبر أغرب الحالات وأندرها، وبهذا النوع يستطيع الشخص أن يعرف طريقه جيدًا في مكان لم يسبق له أن زاره.
بل ويعرف تفاصيل هذا المكان جيدًا.
هل الديجافو مرض يصيب الإنسان؟
بالرغم من انتشار العديد من الشائعات عن خطورة الديجافو على أصحابها.
والتنويه بضرورة التوجه إلى الطبيب عند الشعور بها.
إلا أن هذا الكلام ليس سوى شائعة لا أساس لها.
وتظل الديجافو ظاهرة طبيعية تمامًا وليست مؤشرًا على أي إصابات دماغية فالظاهرة مألوفة ومنتشرة بين البشر من الآلاف السنين.
التعليقات