عضو مركز الفتوى: احذر.. هذا الفعل يحبه الشيطان
هذا الفعل يحبه الشيطان

قال الدكتور أسامة إبراهيم، أستاذ الحديث المساعد بأصول الدين بالقاهرة وعضو المركز العالمي للفتوى الإلكترونية بمشيخة الأزهر، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستعيذ من الهم والحزن، والمقصود بـ«الحزن» هنا «تقديس الأحزان»، لأنه ينهك صاحبه الذي تتواصل أحزانه بسبب سخطه على قضاء الله، وهو أحب الأمور إلى الشيطان، حيث يبعد الإنسان عن الطاعة، ويجعله ينزوي عن الحياة، ولربما يوقعه في قتل نفسه.. لافتًا أن علاج هذا الأمر يكون بتفويض الأمر لله، وعدم الاستسلام للنفس، وتقبل مساعدة الآخرين، وترويض النفس على تحمل البلاء الخفيف لتتمكن من تحمل الشديد، ويجوز التعبير عن الحزن بالبكاء ليقي الإنسان نفسه من الاستغراق فيه.

وأكد «إبراهيم» لـ «العالم الأوسط»، أنه ليس من الحكمة أن نعالج المعاصي بالحزن؛ بل علينا فقط الندم والعزم على عدم العودة إليها، لأن الندم يكون على أمر سيء فعله الإنسان، أو على أمر حسن لم يفعله، أما الحزن فيكون على أمر لا دخل للإنسان فيه غالبًا.

وأضاف «إبراهيم» أن المشاعر من مخلوقات الله، والدنيا بُنيَت على الكدر والمعاناة، ومن سنة الله أن نفقد أحبابًا ونحزن لفراقهم، ولكن هذا الحزن يقل تدريجيًا، وهذا يسمى بـ «الحزن الطبيعي»، ولولاه ما عرفنا الفرح، وما اكتمل اختبار الله لنا، وما تحقق الصبر على البلاء الذي به تكون المغفرة ورفعة الدرجات، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»، وقال أيضًا: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»

وذكر «إبراهيم» مواقف تبين كيف كان يتعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الأحزان، ومنها:

١- أرسلت ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب إليه: «إنَّ ابْنًا لِي قُبِض، فَأْتِنَا»، فأرسل يقريء السلام، ويقول: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجلٍ مُسَمَى، فَلْتَصْبِر، وَلْتَحْتَسِب»، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يَا رَسُولَ اللَّه، مَا هَذَا؟ فقال: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعْلَهَا الله فِي قُلُوبِ عِبَادِه، وَإِنَمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاء».

٢- لما مات ابنه إبراهيم جعلت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: «وَأَنتَ يَا رَسُولَ الله؟» فقال: «يَا ابْنَ عَوفٍ، إِنَهَا رَحْمَة»، ثم أتبعها بأخرى، فقال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَع، وَالْقَلَبَ يَحْزَن، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفُرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُون».

٣- مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقِي اللهَ وَاصْبِري» قالت: «إِلَيْكَ عَني، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبتًي، وَلَمْ تَعْرِفْه»، فقيل لها: «إِنَّهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم»، فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: «لَمْ أَعْرِفْك»، فقال: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنَدَ الصدمة الأولى».

وأرشدنا إلى بعض الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع الكرب، وهي:

١- «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش الكريم».

٢- «اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت».

٣- «اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي».

وقال عضو المركز العالمي للفتوى الإلكترونية بمشيخة الأزهر، إن الله مع المؤمن على الدوام، فإذا ابتلاه فهو لن يتخلى عنه، وإن عصاه عبده فهو لم ولن يتركه.. لافتًا أنه عندما حزن النبي صلى الله عليه وسلم على فتور الوحي، طمأنه ربه بقوله: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى»، فالإيمان يطمئن الأفئدة، قال تعالى: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَينِ اللهُ ثَالِثْهُمَا»، «لَا تَحْزَنْ إِنَ اللهَ مَعَنَا».

أوضح أننا بدأنا فى عام هجري جديد وعلينا أن نتسفاد من الهجرة النبوية الشريفة بـ «هجرة الأحزان وعدم تقديسها»، لأن من معاني الهجرة: «هجر القلب للشيء السيء».. مشيرًا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودّع أحزانه في مكة وذهب إلى المدينة التي كانت باب الفرح والنصر، حيث ترك صلى الله عليه وسلم ما فعله به قومه ولم يقدس حزنه، بل واصل مسيرته ودعوته إلى الله.

 

 

التعليقات