عن مبادرة «البارت تايم».. عالم أزهري: لا داعي لـ «الافتكاسات» في الزواج

أثارت مبادرة «زواج البارت تايم» التى أطلقها المحامي أحمد مهران عبر صفحته على الفيس بوك جدلًا واسعًا بين رواد السوشيال ميديا بصفة خاصة وعلى الساحة الدينية بصفة عامة.. والتى يؤكد أن هدفه منها حماية المطلقة والعزباء من نظرة المجتمع، والمساهمة في حل المشاكل الاقتصادية والأخلاقية فى المجتمع.

وأطلق «مهران» مبادرة ثلاثية، للقضاء على الطلاق والحد من انتشاره وارتفاع سن الزواج وهم:

1- زواج البارت تايم:
زواج مُشهَّر من الممكن أن يكون شرعي على يد مأذون أو عرفي غير موثق بالشهر العقارى، وفيه تتنازل الزوجة عن حقها في المبيت، فيأتيها زوجها مدةً قصيرة في اليوم أو يومًا فقط في الأسبوع؛ وهذا موجودٌ بالفعل، فبعض الرجال لا يقدر على شراء سكن للزوجية، ويخشى الانحراف وفعل الحرام، فيتزوج ويَزور زوجته وهي في بيت أهلها يومًا كل أسبوع وذلك برضاهم، وزواج «البارت تايم» يكون مناسبًا في حال كانت الزوجة مطلقة من رجل آخر ولديها بنات في سن الشباب.

2- زواج سلف:
وهي شبيهة بزواج البارت تايم، لكن في صورة « سلفيني زوجك أو سلفي زوجك لصاحبتك» توافق الزوجة على تزويج زوجها لصديقتها المطلقة حبًا فيها، وتتنازل الثانية عن حقها في المبيت فترضى بيومٍ أو يومين فقط.

3- اتجوزها هي وصاحبتها المطلقة:
تعني زواج الرجل من صديقتين مطلقتين برضاهما وتتنازل كلاهما عن بعض الأيام للأخرى.

آراء علماء الأزهر فى المبادرة

قال الدكتور عطية لاشين، عضو لجنة الفتوى بالأزهر وأستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، إننا لسنا بحاجة إلى «افتكاسات» أو ابتكارات كمبادرة «سلِّفي زوجك لصاحبتك» أو «زواج البارت تايم» التي نسمع عنها هذه الأيام، لأن هذا موجود في الشريعة ولكن بصورة أوضح وبضوابط محددة من تلك المبادرة.

واستشهد «لاشين» لـ «العالم الأوسط» بموقف السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها -إحدى زوجات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما كبرت خشيت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسول الله، ليلتي لعائشة، وهذا يعني أنها تنازلت عن الليلة التي يأتيها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبتها للسيدة عائشة رضي الله عنهما.. مؤكدًا أنه متى عدَّد الزوج، أصبحت أيامه مقسَّمةً شرعًا بين زوجاته، ولكن إذا تنازلت صاحبة الحق عن أيامها، فليس في الأمر شيء وهذا جائزٌ شرعًا.

وأضاف «عضو لجنة الفتوى» أنه على الزوج أن يعلم جيدًا أن لزوجته الثانية حقٌ في السكن والنفقة والمعاملة الحسنة، فإن لم يفعل فهو آثم.. مستدلًا بقول الله تعالى: «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأتَانِ فَمَالَ إلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مِائِل».

وقال إنه إذا تضمن زواج البارت تايم إباحة كون الزواج مؤقتا فيكون الزواج باطلًا؛  لأنه حينئذ يكون «زواج متعة» وهو باطل بالإجماع.

من جانبه، قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين السابق بالقاهرة، إن مُسمَى المبادرة لا يصح أن يُقَال، لأنه يُفهَم منه معنى «الاقتراض»، وهذا لا يجوز في الزواج، فكيف تُقرِض المرأة «زوجها» لامرأةٍ أخرى؟!.. مضيفًا أن مُسمَى «زواج البارت تايم» لا يصح أيضًا لأن العبارة تعني: «زواج لبعض الوقت»، وهذا لا يجوز شرعًا، فإدخال شرط المدة في عقد الزواج يبطله، لأن الزواج ميثاقٌ غليظ، لابد أن يكون بنية التأبيد، أى بنية الاستمرار، لأنه قائمٌ على العشرة الطيبة والمودة والسكينة والرحمة بين الزوجين.

وأكد «العواري» لـ «العالم الأوسط » أن الأمر بالتعدد يفيد الإباحة، وجاء الأمر مقيدًا بشرط «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً»، فمن أن أراد التعدد عليه أن يعدل بين زوجاته، فيقسِّم أيامه بينهما، لأن كلاهما لهما حقٌ عليه في المبيت والسكن والنفقة وحسن المعاملة.. لافتًا إلى ما قاله الأصولييون: «إذا ورد المباح مقيدًا بقيدٍ، فمراعاة القيد واجبة»، أي أننا في حالة تعدد الزوجات علينا مراعاة الشرط (القيد)، وهو أن من يرى نفسه لا يستطيع أن يعدل، فلا يتزوج إلا واحدة.

وأشار «عميد أصول الدين السابق» إلى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حذَّر من عدم العدل والظلم للمرأة في حالة التعدد، وذلك في حديثه الشريف:«مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأتَانِ فَمَالَ إلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مِائِل»، فمن تزوج امرأتين ولم يعدل بينهما، فهو آثم.. قائلا: «من يريد التعدد عليه قبل أن ينكح المرأة الثانية، أن يعطيها مهر المثل كاملًا»

ولفت إلى أن تعدد الزوجات ليس فوضى ولا أمرٌ تابعٌ للهوى ورغبات الرجل دون أداء حقوقه، بل هو شرعٌ، ونصوص أحكامه صريحةٌ في تشريعه.

من ناحية أخرى، قال الدكتور عبد المنعم فؤاد، العميد السابق لكلية العلوم الإسلامية للوافدين بالأزهر، إن مبادرة «زواج البارت تايم» ما هي إلا عجيبة من عجائب صاحبها.. مضيفًا أنها تشبه زواج المتعة الشيعي، الذي يعني مصاحبة المرأة لمدة ساعات بالإيجاب باسم الزواج المؤقت.

وأكد «فؤاد» -عبر صفحته على الفيسبوك- أن صاحب المبادرة تلاعب بالألفاظ في مسألةٍ حكمها الشرعي جاء بألفاظٍ واضحة؛ ليوهم الناس أنه لا يقصد ما فُهِمَ الآن ليتحاشى أي نقدٍ ونقضٍ لدعوته، وهذا يدل على «العبط الفكري».

وأشار إلى أن هذه المبادرة ليس لها هدف سوى اكتساب الشهرة التي وصفها بـ «شهرة إبليس»، وأنه لا تصح مناقشة من يريدون أن يروجوا لأفكار الشيعة وعقائدهم في بلادنا؛ لأن هذا مضيعة للوقت، وشوشرة على معالم الشريعة، وتعتيم على ثوابت وقيم المجتمع.

التعليقات