هل يجب طاعة الوالدين في تطليق الزوجة؟
هل يجب طاعة الوالدين في تطليق الزوجة؟

طاعة الوالدين من طاعة الله، وبرهما من الفرائض، وعقوقهما من الكبائر.

فإذا أمراه بمعروف وشيء مباح ينفعهما ولا يضره فلا بأس يطيعهما في ذلك.

أما شيء يضره أو شيء من معاصي الله، فلا يلزمه طاعتهما في ذلك.

لكن يرده بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، والدعاء لهما بالتوفيق والهداية.

ويبين لهما عذره من أن المعاصي ما يطاع فيها أحد.

الرسول ﷺ يقول: إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

حكم طاعة الوالدين في أمر طلاق الزوجة 

قال الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، إنه ليس من البرِّ طاعة الوالدين في تطليق الزوجة وهدم البيت.

وأضاف علام أثناء رده على سؤال ورد لدار الإفتاء، والذي يقول:

“ما حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة؟”، أنه لا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك؛ ما دام أنه لا يوجد مُبرّر شرعي.

كما لا يُعدّ ذلك من العقوق أو الإثم في شيء، وعليه أن يرفق بهما ويتلطف معهما.

بالإضافة إلى التحايل بالحكمة في أمره معهما بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يُغْضِب والديه.

 

الإنسان وحرية الاختيار في الشريعة الإسلامية

أوضحت دار الإفتاء أن الله تعالى شرع التشريعات بما تشتمل عليه من أوامر ونواهي ومحاذير ومندوبات.

ومنح الإنسان حرية الاختيار في كل أمر يعود إلى جبلته وفطرته أو ميل نفسه، أو اختيار عقله وقلبه.

لكن دون أن يلزمه في ذلك بشيء دون شيء ما لم يكن في اختياره ذلك إثمٌ أو ضررٌ أو مفسدةٌ؛ حتى يتحمل تبعات اختياراته.

ومن الأمور التي ترجع حتمًا إلى إرادة الإنسان واختياره في ضوء الضوابط الشرعية المنظمة لها:

أمر الزواج وما يتبعه من استمرار الحياة الزوجية أو إنهائها.

وذلك على وفق ما يجد الإنسان فيها ما يتوخاه من تحقيق أهداف ومقاصد الزواج؛

حيث اعتبر الشرع ذلك الأمر من حقوق الإنسان الراجعة إلى تقديره وحاجته.

والتي لا يحق لأحد حرمانه منها أو إجباره عليها، ما دام موافقًا لمراد الشرع وضوابطه.

 

ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء

بينت دار الإفتاء أنه مع تقرير ذلك المعنى من إنَّه لا يحق للوالدين أو أحدهما إجبار الأولاد على الزواج ممَّن لا يرغبون بالزواج منه.

إلا أنَّه لا منافاة بين ذلك وبين ما منحه الشرع للوالدين من منزلة ومكانة تحتم على الأولاد الطاعة والرعاية على أتم وأكمل وجه.

وهو المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛

إذ إن ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء:

هو كلّ ما يعود لمنافع الأبوين بحيث يلحقهم ضرر بتفويته، مع عدم الإضرار بمصالح أولادهم الحقيقية.

بحيث إذا تعارضت تلك الطاعة فيما يضر بمصالحهم وما لا بد لهم منه من الأمور الحياتية كالزواج والعمل والسكن.

فإنه يجب حينئذٍ التلطف مع الآباء وبيان تعذر طاعتهم في ذلك.

لما يعود من ورائه من ضرر أو مشقة لا يرضونها لأولادهم أصالة.

 

ضابط عقوق الوالدين وأثره على إنهاء العلاقة الزوجية

ضابط العقوق: “أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا من جملة الصغائر.

فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمره أو نهيه.

وذلك فيما يدخل فيه الخوف على الولد فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتهم الولد في ذلك، أو غير ذلك.

هذا، ولَمَّا كان أمر إنشاء الزواج وانعقاده لا يشرع فيه الإجبار من الوالدين.

ولا يلزم الأولاد فيه الطاعة إن خالف اختيارُ آبائهم اختيارَهم وميلهم.

فكيف يكون لإنهاء الزواج وما يتبعه من انهدامِ بيتٍ وفرقةٍ وشتاتِ أمرٍ،

وأيضا تبعاتٍ مالية كبيرة ونفسية خطيرة أن يلزمهم الشرع بطاعتهم في ذلك.

إضافة إلى ما قد يلحق الزوجة من ظلم إن طُلِّقتْ دون وقوع تقصير منها.

 

أقوال الفقهاء في طاعة الرجل لوالديه في أمر الطلاق

صرحت دار الإفتاء أن نصوص الفقهاء تواردت على أنه لا يجب على الولد طاعة الوالدين في أمرهما بطلاق زوجته؛

إذ الأصل في الطلاق الحظر لا الإباحة، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا في حال تعذر الحياة الزوجية بين الزوجين.

أو ثبوت تضررهما أو أحدهما باستمرارها، ولم يجعل الشرع رغبة الوالدين في تطليق زوجة الابن من المسوغات التي يباح لأجلها الطلاق.

كما أنَّ مخالفتهما في ذلك ممَّا لا يعد في العرف عقوقًا، ولا يترتب عليه إثم ولا ذنب.

 

توجيه النصوص التي تفيد طاعة الوالدين إذا طلبا من ولدهما طلاق زوجته

أوضحت دار الإفتاء أن ما ورد من نصوص وآثار تفيد الأمر بطاعة الوالدين إذا طلبا من ولدهما طلاق زوجته؛

فمن ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كانت تحتَه امرأته، وكان يعجب بها،

وكان عمر يكرهها، فقال له: طلّقها، فأبى، فذكرها ابن عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطِعْ أَبَاكَ وَطَلِّقْهَا»

وعن أبي طلحة الأسدي قال: “كنت جالسًا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فأتاه أعرابيان فاكتنفاه،

فقال أحدهما: إني كنت أبغي إبلًا لي، فنزلت بقومٍ، فأعجبتني فتاةٌ لهم فتزوجتُها،

فحلف أبواي أن لا يَضُمَّاهَا أبدًا، وحلف الفتى فقال:

عليه ألف محرر وألف هدية وألف بدنة إن طلقها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:

“ما أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، ولا أن تعق والديك”، قال: فما أصنع بهذه المرأة؟ قال: “ابرر والديك”.

ويُجاب على ما فُهِم من ظاهر هذه النصوص والآثار بأمرين:

أولًا: إنَّ ما ورد بشأن أمر سيدنا عمر ابنه رضي الله عنهما بطلاق زوجته، وإقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم له على ذلك،

واقعة عين لا يجب إنزالها على عموم الأحوال؛

وذلك لما اختص به سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خصائص لم يختص بها غيره؛ فهو من الْـمُحدَّثِين.

حيث إن الوحي كان يأتي موافقًا لمراده رضي الله عنه؛ وذلك من شدة إيمانه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

مما يُفهم منه أنه ما كان ليأمر ابنه بطلاق زوجته، مع علمه بأن الطلاق من أبغض الحلال إلى الله تعالى.

إلا مع تيقنه أنّ في بقاء زواجه منها ما قد يُوقع في الضرر أو الفساد.

وقد كان هذا هو فهم الفقهاء هذه الواقعة:

فقد سأل رجلٌ الإمام أحمد بن حنبل عما يفعله فيما يأمره أبوه به من طلاق زوجته؛ فقال له: “لا تطلقها”،

فاحتج الرجل عليه بواقعة سيدنا عمر رضي الله عنه، فقال له الإمام أحمد: “حتى يكون أبوك مثل عُمَر رضي الله عنه”.

ثانيًا: أنه يصحّ حمل ما ورد في ذلك من نصوص وآثار على خصوص كون أمر الوالد بطلاق الزوجة في حال توافر مستند شرعي يبيح له تطليقها.

لا لمجرد النفور منها أو الكراهة لهوى أو ميل نفس، بحيث لا يجب طاعتهما إذا أمراه بالتطليق فيما لا يباح لأجله التطليق.

 

الأصل الذي تقوم عليه العلاقة بين الآباء والأولاد

قالت دار الإفتاء إنه ممَّا يجدر التنبيه إليه في سياق هذا الأمر:

أنَّ الأصل الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة بين الآباء والأولاد هو المحبة القائمة على:

أسس من التفاهم والتشاور والتناصح المجرد تمامًا من عوامل القهر أو الضغط على مشاعرهم،

بربط رضاهم عليهم بضرورة تنفيذ مطالبهم التي قد يتضرر به الأولاد أكثر مما ينتفعوا.

حيث أناط الله تعالى بالآباء رعاية مصالح أولادهم في واقع حياتهم ومستقبلهم.

وليس في تكليفهم بما يتضرَّرون به من طلاق زوجاتهم دون حاجة شرعية تبيح ذلك من مصلحة لهم.

بل ينبغي عليهم نصحهم بالحرص على بيوتهم قائمة مستقرة.

ومساعدتهم في حَلِّ ما قد يظهر فيها من مشكلات بما لديهم من خبرة وحسن مشورة.

وذلك حرصًا عليهم وامتثالًا لما حثّ عليه الشرع من تقييد الطلاق وجعله مبغوضًا إلا في حال استحالة العشرة بين الزوجين.

واستشهدت بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ».

وفي الختام تقول دار الإفتاء إنه ليس من البرِّ طاعة الوالدين في تطليق الزوجة وهدم البيت.

كما لا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك؛

ما دام أنه لا يوجد مُبرِّر شرعي، ولا يُعدّ ذلك من العقوق أو الإثم في شيء.

وعليه أن يرفق بهما ويتلطف معهما، ويتحايل بالحكمة في أمره معهما بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يُغْضِب والديه.

التعليقات