
استنهاض الههم
بقلم/ عمرو عبدالرحيم سليمان
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
يمر المسلمون بفترة حالكة من الظلمة على شتى الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.
مرحلة ضعفت فيها الههم، وخارت فيها العزائم، وساد فيها اليأس وأصبح المسلمون بعدما كانوا صانعين للحضارة أصبحوا مستهلكين لها.
ليس لهم أي دور في صناعة الحضارة الحديثة وتقدمها، وصارنا في مدرسنا وجامعتنا لا يعرف الجيل الجديد عن ماضي أجداده التليد إلا نذرا يسرا.
لا يستنهض همة ولا يقوي عزيمة، وكأن المسلمون بلا تاريخ يتلى، ولا ماض يكتب.
وكأن النهضة التي حققها المسلمون وسادوا بها الأمم على ما يزيد على سبعة قرون قد تبخرت وأصبحت أثرا بعد عين.
وكأن الحواضر الإسلامية كالقاهرة وقرطبة وبغداد وفاس والقيروان وغيرها لم يشع منها نور الحضارة.
الذي ارتكزت عليه الحضارة الأوربية الحديثة عن نهضتها وتقدمها، حتى وجد من بين المسلمين- للأسف- من يتنكر لهذا التاريخ وهذه الحضارة ويرميها في بعض الأحيان بالجهل والرجعية.
استنهاض الههم
لذا بات واجبا على كل من استعمله الله على تنشئة هذه الجيل أن يعمل على استنهاض همته وإيقاظه من كبوته.
ومد يد العون والمساعدة له أمام هذا الطوفان الجارف الذي يستهدف تدميره فكريا ونفسيا وعليما، وجعله جسدا بلا روح.
يلهث خلف شهواته الجسدية واشباع أهوائه النفسية، مستخدمة في سبيل هذا الهدف شتى الوسائل والأسلحة المتوفرة.
وتعد دراسة التاريخ أحد المحركات القوية لهم الشعوب والأمم عند نزول الكوارث وحلول الأزمات.
والتي تهدف لمحاولة إيقاظ الأمم من غفلتها من خلال مدارسة تاريخها العظيم، وابراز الجوانب المضيئة فيه.
ومحاولة تتبع أثر السابقين والسبل والوسائل التي استخدموها في الوصول للنجاح والتقدم، والوقوف على أسباب الاخفاق والفشل.
واستخلاص العبر والعظات دون الإغراق في المثاليات، ومحاولة تجميل الاخفاقات وتبرير الأخطاء.
لأن بناء الشخصية المسلمة بناء فكريا وعلميا سليما سوف ينتج بالتالي مسلما مدركا لعوامل النهضة وسبلها، ومكائد العدو وأساليبه في محاولة لتجنبها.
لذلك اعتنى النبي ﷺ باستنهاض همم الصحابة عن نزول الصعاب والأمر الجلل.
ومحاولة الأخذ بأيدهم وبث الأمل في نفوسهم من خلال ضرب الأمثال لهم بالتضحية في الأمم السابقة.
لأن الغاية إن كانت عظمية فلابد أن تؤدى ضريبتها، فعندما قدم الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه للرسول ﷺ بعدما اشتد عليه الأذى من كفار قريش هو ضعفاء المسلمين في مكة جاء للرسول مشتكي فقال :
شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهو متَوسِّدٌ بردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ:
” قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيجعلُ نصْفَيْن،
ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ،
واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ “رواه البخاري.
فالرسول ﷺ كان يمكن أن يخفف من من روع خباب وأصحابه من خلال تطيب خاطرهم أو ودعهم بالدعاء لهم أن يرفع الله لهم ما هم فيه ن العذاب.
لكنه ﷺ أراد ان يشد من أزره هو وأصحابه ويخبره بأن وعد الله حق وأن النصر قادم لامحالة.
ولكن عليه بالصبر على ما أصابه ومواصلة العمل في سبيل تحقيق هذه الغاية العظمية ألا وهي نصرة الإسلام بكل ما أوتي من قوة.
دون النظر إلى وقت تحقيق هه الغاية ؛ لذلك أدرك الصحابي الجليل هو ومن معه هذا الأمر.
فلم نجده بعدها هو وأصحابه يشتكون مما ينزل بهم من العذاب، بل تجدهم كالجبال الشامخة في مواجهة طغيان قريش وتجبرها واستعلائها وتكبرها.
وكان يقول لهم: ﷺ مبشرهم بنصره الله
“لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ”
ولا يقول ذلك ﷺ من فراغ إنما يقوله ﷺ إيمانا بالله في نصرته لعباده المؤمنين.
من خلال سيرهم على سنن الله في كونه من خلال توكلهم عليه وأخذهم بالأسباب، واستفراغهم للجهد.
ومن هذا المنطق سنحاول من خلال مجموعة من المقالات تتبع بعض الأحداث التاريخية.
وبيان بعض الأدوار لمجموعة من الشخصيات الإسلامية التي ظهرت معدنها النفيس وتفانيها في سبيل نصرة الإسلام.
وتبليغ رسالته ورد عدوان المعتدين عنه ورفع الظلم عن المستضعفين.
استنهاض الههم
التعليقات