الجدل الدائر فوائد البنوك  

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى، مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف.

 

لا أدري حقيقة متى سيرتفع الوعي في مجتمعاتنا إلى درجة ندرك معها أن أية قضية خلافية ؛ اختلف الفقهاء والمفتون في تصورها وتكييفها الفقهي ؛ ستبقى محل خلاف .

 

والقطع فيها برأي معين لهو نوع من الخلط بين ماهو قطعي وماهو ظني ، وهذا في حد ذاته خلل كبير .

 

وفي مسالة فوائد البنوك تحديدا ، حين يفتي بعض الفقهاء بتحريمها، فلأن تصورهم لفائدة البنك لايختلف في شيء عن ربا الجاهلية المحرم، إذ تصوروا عمل البنك قرضا بفائدة و” كل قرض جر نفعا فهو ربا ” .

 

والذين أفتوا بالحل وهم في الغالب : 

 

المؤسسات الافتائية المعنية وبعض المجامع المختصة كمجمع البحوث الإسلامية ، وكثير من الباحثين المتخصصين من الشرعيين والاقتصاديين .

 

هؤلاء جميعا تصوروا عمل البنوك بأنه من العقود الاسثمارية والتمويلية المستحدثة .

 

والفائدة البنكية ليست هي عين الزيادة في الربا المحرم .

 

وبناء عليه :

 

جاء تكييفهم الفقهي بكونها عائدا استثماريا أو تمويليا، أخذا من التوصيف القانوني الحديث لعمل البنوك كما تعلن هي عن نفسها ، وكذا بنص الدستور والقوانين المفسرة له .

 

كما أن البنك شخصية اعتبارية في الأصل، وهذا معناه نفي الاستغلال المحرم بين البنك والعميل، كما هو الحال بين المقرض والمقترض .

 

هذا بالإضافة إلى أهمية البنوك في ضبط اقتصاديات الدول ، وحفظ أموال الناس .

 

ومعلوم أن حفظ المال مقصد من مقاصد الشريعة ، وأن حفظ النظام العام بحيث لا تتهدم الدول أو تنهار اقتصاديا ، هو مقصود الشريعة الأعظم ، كما قرر الفقيه المقاصدي ابن عاشور .

 

والخلاصة يا سادة:

 

أن الفقهاء قرروا بعض القواعد المريحة للجميع ، في مثل هذه الحالات التي تحتدم فيها الخلافات .

 

قالوا :

 

” لايخفى الو رع ” والخروج من الخلاف مستحب ” .

 

وعليه :

 

يكون لكل إنسان لايستريح قلبه إلى معاملة البنوك ولديه البدائل التي يمكنه بها حفظ ماله ، الحق في أن يفعل مايستريح إليه قلبه ، ولاينكر عليه في ذلك .

 

وكذا بالنسبة لمن يطمئن قلبه إلى سلامة تلك المعاملة تقليدا لمن أجاز ، له أن يتعامل بها ، ولاينكر أحد على أحد ولايتهم أحد أحدا .

 

كفانا سلطوية وتجريحا وطعنا وتشويها واتهامات جاهزة لكل من يخالف قناعتنا ؟

 

كلنا يعلم كم خلقنا الله مختلفين ، فابنك الذي من صلبك ، وربيته على عينك ليس نسخة منك ولن يكون!

 

فكيف تتصور أن تجد اتحادا عاما حول رأيك وراحة تامة لاختياراتك !

 

حقيقة هذه أماني وإن هم إلا يظنون .

التعليقات