
بقلم/ الشيخ محمد أحمد عبد الحميد الشاذلي
يقول الله عزوج لفي كتابه العزيز: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ…»، سورة النساء آية33، فزعم المغرضون والحاقدون والجهال والحانقون على الإسلام أن هذه القوامة التي ميز الله بها الرجال، وأخضع لها المرأة، تنطوي على إجحاف بحقها، كما أنها شاهد بين على غياب المساواة المزعومة بين الرجل والمرأة في أحكام الشريعة الإسلامية، حيث جعلت الرجل متسلطا على المرأة، ومتحكما فيها بموجب هذه القوامة.
والحقيقة أن ما قاله هؤلاء إنما ينم عن جهل بالإسلام وأحكامه، أو قد يكون مقصودهم إشاعة البلبلة والفتن بغرض صد الناس عن الإسلام، وزعزعة ثقة المسلمين في دينهم بهدف القضاء على نظم الإسلام وتعاليمه وأخلاقه.
وأننا إذا نظرنا إلى القوامة في الشريعة والنظم الإسلامية نظريا وعمليا نجد أنها قوامة رعاية وعناية وتحمل مسؤولية وليست هيمنة وتسلط وتحكم وتجبر كما يدعي هؤلاء الجهال.
ثم أنها ليست عنوانا على أفضلية ذاتية عند الله عزوجل يتميز بها الرجل دون المرأة وإنما هي عنوان على الكفاءة التي يتمتع بها القائم بأعباء المسؤولية بما وهبه الله من صفات جبلية.
وهنا نسأل سؤالا: لماذا جعل الشارع القوامة سلفا بين الرجال وهلا ترك الأمر إلى أعضاء الأسرة يتخيرون لهذه المهمة من يشاؤون؟ ثم لماذا برر هذا الاختيار بقوله:«بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» وهذا يكاد يكون نصا على أفضلية الرجال على النساء من حيث الذات بقطع النظر عن العوارض؟
والجواب: أن هؤلاء القوم قد جانبهم الصواب في فهم المراد من قوله تعالى: «بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»، لأن فهم الأفضلية الذاتية للرجال على النساء مما يتعارض بشكل حاد مع صريح كتاب الله عزوجل في نصوص كثيرة منه، فالله عز وجل يؤكد ويقرر أن الرجال والنساء متساوون في ميزان القرب من الله عزوجل، وإنما يكون التفاوت بينهم تبعا لتفاوتهم في أعمالهم الصالحة التي يقومون بها ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى .
قال تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ…»، سورة آل عمران 195، ويقول سبحانه في موضع آخر مؤكدا هذا المعنى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»، سورة النحل 97.
ويقول تعالى موضحًا أن الذكورة والأنوثة ليست معيارا للأفضلية:«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»، سورة الأحزاب 35.
ثم إن البيان الإلهي يعود فيزيد هذه الحقيقة تأكيدا فيقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، سورة الحجرات 13.
فقد أسقط الله عزوجل فوارق الذكورة والأنوثة، واختلاف الأقوام، أو القبائل، وجعل معيار التفاضل بين الأشخاص التقوى.
إذا بعد هذا البيان نقول أن المراد من قوله تعالى: «بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»، هي أفضلية التناسب المصلحي مع الوظيفة التي يجب النهوض بأعبائها بما أوتي من مقومات جعلته أهلا للقيام بالشيئ.
ومن هنا نقول أن المهام الأسرية تنقسم إلى شقين:
الشق الأول: هو القيام علي شؤون الأسرة والنهوض بواجب رعايتها وحمايتها من سائر الأخطار التي تحدق بها بما في ذلك الإنفاق عليها وتوفير العيش الكريم وأسبابه.
الشق الثاني: القيام بمهام المنزل ورعاية الأطفال والحضانة والرضاعة وتوفير مقومات السعادة الزوجية وهو شق مهم يكاد يكون أهم من الشق الأول.
ثم نقول: ترى أي الزوجين هو الأقدر على القيام والنهوض بالوظيفة الأولى في أعم الظروف والأحوال؟
بما لا شك فيه أن الرجل هو أقدر من المرأة ليقوم بهذه المسؤولية وهذا لا دخل له بأفضلية كل منهما على الأخر بل هو خاص بما حبى الله كلا منهما. فخل مثلا أن لصا اقتحم المنزل من سيقوم في وجهه؟ ومن سيدفع الخطر عن الأسرة؟.
كما أن الرجل هو من يقع على عاتقه بموجب الشرع الإسلامي تحمل إنشاء الأسرة، وتحمل مغارمها، وتكلف نفقات استمرارها، من مهر وما يتبعه عند الزواج وما بعده.
هذا هو السائد في مجتمعاتنا وعلى كل الأصعدة، ومن قبل الناس كلهم مهما اختلفوا في الأراء والمذاهب والأفكار فهو واقع لا يمكن تغيره، لأن أمره بيد الله الذي أقام الرجل على صفات الرجولة بكل خصائصها ومزاياها وأقام المرأة على صفات الأنوثة بكل خصائصها ومزايها.
ولو جعلنا القوامة بيد المرأة دون الرجل لجنينا على أنوثتها ولقضينا على كرامتها فلو كانت المرأة هي التي تسعى بالمهر إلى الرجل لتمنحه إياه لاستلزم ذلك أن تكون هي الخاطبة له وفي ذلك من المهانة لها والخطر عليها والجرح لكرامتها مالا ينكره إلا أحمق أو مكابر.
ولو كانت المرأة هي المسؤولة في بيت الزوجية على إعالة نفسها وأولادها كما هو الحال في المجتمعات الغربية لأقحمتها الضرورة في أي عمل تأتي من وراءه برزق دون أن تملك أي فرصة لاختيار العمل اللائق والمناسب لها وفي ذلك تدمير لأنوثتها وقضاء على نعومتها الربانية التي حباها الله بها فتتحول من غصن أخضر تحت وطأة العمل الشاق إلى عصا جرداء، ولاعبرة بالتي قد يوافيها الحظ فيسوق لها عملا خفيفا مناسبا لها ولأنوثتها، وإنما العبرة بالكثرة التي لا تجد أمامها سوى العمل الثقيل الشاق المتعب والمرهق.
وهكذا يكون قوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ…» إخبار عن واقع يفرض نفسه أكثر من كونه تقريرا لحكم مفروض.
أما هناك في المجتمعات الغربية الذين يدعون إلى حرية المرأة تجدهم قد حملوا المرأة المسؤولية من أجل توفير لقمة عيش لها ولأولادها، فاستعبدها العمل والجهد المضني، ثم بعد كل هذا لم تنل بعد خضوعها لهذه الضريبة الفادحة القوامة التي تحلم بها إذ ظلت بيد الرجل فهو المهيمن والمسيطر عليها.
وكما قلنا أن واقع القوامة تفرضه كل من طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، ولن تتحول هذه الطبيعة حتى ولو امتلكت المرأة ملايين المليارات، وأترب الرجل فلم يعد يملك شيئا.
وإنك لو ذهبت لتحرر المرأة من هذه القوامة لأضررت بالمرأة لأن الإسلام شرع القوامة أصلا حفظا وحماية لها لكي لاتتكلف العناء في توفير لقمة عيشها، وإلا سجنتها في أغلال من استعباد وضرورات العمل المضني بل المشقي لها ودفعت بقدسية الأسرة وتماسكها إلى مهب الريح.
ونعود في الختام إلى تأكيد الحقيقة التي افتتحنا بها الحديث وهي: أن القوامة رعاية وعناية وليست تحكم وتسلط وأن مصدر هذه القوامة لا يتمثل في أفضلية ذات الرجل عند الله على ذات المرأة وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية الآتية من توافق إمكانات الرجل ووظيفته مع ما تحتاج إليه الأسرة في مجال الرعاية والنفقة والسهر على مصالحها، كما أن إسناد مهام رعاية الطفولة المتمثلة في الحضانة والرضاعة وجزء كبير تستقل به المرأة عن الرجل في التربية ليس مصدرها أفضلية ذاتية للمرأة على الرجل وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية ذاتها التي تتجلى في توافق إمكانات المرأة مع هذه المهام.
وفي النهاية نقول لا يوجد تشريع ولا نظام ولافكر ضمن للمرأة حقوقها وحفظها وصانها مثل ما فعل الإسلام فانتبهوا لما يريده أعدائكم من القضاء على الهوية والأخلاق والنظم الإسلامية من خلال زعزعة وهدم أهم ركن من أركان التربية وهو المرأة التي تكون أما لجيل إسلامي صاعد وواعد.
المصادر:
كتاب/المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الإسلامي للدكتور الشهيد/محمد سعيد رمضان البوطي.
(بتصرف واختصار)
التعليقات