كتبت: شروق عبدالحميد
قضية ضرب الزوجات من القضايا المهمة التي شغلت الرأى العام في الأيام الأخيرة وذلك بعد مشروع القانون التى تقدمت به نائبة بالبرلمان تطالب فيه بتغليظ عقوبة ضرب الزوج لزوجته لتصل إلى السجن مدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، والكثير من الناس يريدون معرفة رأي شرع والإسلام في تلك القضية، وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل زوجاته، وهل يجوز ضرب الزوجات في أحوال معينة ؟
رأى لجنة البحوث بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف
قالت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أنه من المعلوم شرعا أن العلاقة الزوجية تقوم على السكن والمودة والرحمة، وتوجب علي الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يبالغ في إكرامها وحسن عشرتها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لائيم ” ولهذا كان ضرب الزوجات محظورا بحسب الأصل ولا يجوز اللجوء إليه إلا إذا فرضته ضرورة إنقاذ الأسرة من الضياع بسبب نشوز الزوجة واحتقاراها لزوجها بالتعالي عليه والتجاوز في حقه لتكون إباحته في تلك الحاله من باب إختيار أهون الشرين وأقل الضررين .
وتابعت اللجنة: «إذا كان القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك، وبيَّن حدود الإباحة في هذا التصرف، فإن السنة النبوية قد ضبطته بما يحقق حفظ الأسرة من الضياع وبما لا يمس كرامة الزوجة أو يترك في نفسها أثرًا منه أو الخروج على حدود العشرة التي أمر بها الشرع وأقرها القانون».
وأوضحت اللجنة، أنه إذا كان بعض الناس قد أساءوا استعمال المباح في هذا الموطن وغيره واستعملوه في حالة النشوز وغير النشوز دون استيفاء لشروطه أو تَحَسُّب لما يترتب عليه من آثار فيكون من حق ولي الأمر تقييد استعمال هذا المباح، ومن الممكن أن تُطرح قضية الضرب عمومًا كقضية اجتماعية عامة، وليس للزوجة الناشز فقط، ولكن بشكل مطلق، لأن الضرب إهانة تسبب للإنسان عُقدًا نفسية قد لا تفارقه حتى يدخل قبره.
وأشارت اللجنة إلى أنه لا مانع من أن نناقش قضية الضرب عمومًا بما يمنع هذا التصرف الشائن، وكما قال شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب عندما أعلن ذلك منذ سنوات في برنامجه على القناة المصرية وعلى مدار حلقات قال فيها بالحرف الواحد: “أتمنى أن أعيش لأرى ضرب الإنسان جريمة يُعاقب عليها الضارب معاقبة المجرم”.
رأي مفتي الجمهورية ودار الإفتاء في ضرب الزوجات
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، “إنه ينبغي استحضار النموذج النبوي في فهمنا للآية الكريمة في قوله تعالى: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» [النساء: 34]، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب أحدًا قط بيده؛ لا زوجًا ولا خادمًا ولا أحدًا من الناس إلا أن يكون في ميدان الحرب؛ كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها ، فلم يضرب زوجا ولم يضرب ولدا ولم يضرب خادما إلا أن يكون في ميدان الجهاد في سبيل الله ، فهو الهين اللين في بيته ومع زوجاته.
وأوضح «علام» في فتوى له، أن الضرب الوارد في الآية الكريمة إنما هو أمر رمزي يعبر عن اتخاذ موقف من المرأة، ومن معاني الضرب كذلك اجتناب الخلاف والابتعاد عنه، وأرى أن المصير إلى الضرب ليس من شيم الرجال، بل يُعد الضرب جريمة وسلوكًا مشينًا، وحيث لا يُقبل ضرب الرجل لغيره من الرجال فمن باب أولى ألا يضرب زوجته.
و أكد أنه يجب علينا الاقتداء بفعل وحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجاته وأهل بيته، فهو المنهج الصحيح، والرجل الحقيقي لا يضرب زوجته، وكذلك الزوجة عليها أن تقتدي بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يؤذي أحدهما الآخر بل تكون حياتهما قوامها على المودة والرحمة.
ولفت المفتي إلى أن الطلاق يجب أن يكون آخر الحلول عند استحالة العشرة، وأن يكون الطلاق طلاقًا حضاريًا وفقًا لقول الله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
وأشار إلى أننا بحاجة ماسة وشديدة إلى إدارة حضارية للخلاف الأسري؛ لأن هذا الخلاف الأسري هو ظاهرة موجودة، وواقع لا يمكن أن تنفك عنه أسرة، سواء حصل الخلاف بنسبة كبيرة أو بنسبة صغيرة، لكن الأسرة الذكية والرشيدة والعاقلة هي التي تستطيع أن تحتوي هذه الخلافات وتميتها في مهدها”.. مضيفًا أنه ليس هناك طرف دون طرف هو المسئول عن تفاقم المشكلات والخلافات الزوجية؛ بل كل منهما مسئول عن تلافي هذه المشكلات وإدارتها إدارة حضارية.
ولفت إلى أن القرآن الكريم يرشدنا إلى أن ثمة مراحل وعظية ومراحل تأديبية، وأما عن الضرب؛ فهو يمثل رمزية، ويجب أن يفهم مدلوله وكيفيته وَفقًا للمسلك والنموذج النبوي الشريف في التعامل مع زوجاته؛ فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها وعن أبيها: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه قط، ولا ضرب خادمًا قط، ولا ضرب شيئًا بيمينه قط إلا أن يجاهد في سبيل الله”، بل إنه مغاير لمنهج الصحابة رضوان الله عليهم.
وقال إن حل المشكلات بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، فضلًا عن تعارضه مع الميثاق الغليظ.. مؤكدًا أن العنف الأسرى يتعارض مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها على السكن والمودة والرحمة، بل يُهدِّد نسق الأسرة بإعاقة مسيرتها وحركتها نحو الاستقرار والأمان والشعور بالمودة والسكينة، ومن ثَمَّ تحويلها لتكون موطنًا للخوف والقلق والشجار المستمر ونشر الروح العدوانية، فضلًا عن مخالفة هذا العنف لتعاليم الإسلام؛ فقد حث الشرع الشريف على اتِّباع الرفق ووسائل اليسر في معالجة الأخطاء.
وقدَّم المفتي نصيحة للزوجين -وخاصة الزوج- بأن عليه التماس الحكمة والصبر لأن العنف الأسري يتعارض مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها على السكن والمودة والرحمة، مؤكدًا أن حل المشكلات بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، فضلًا عن تعارضه مع الميثاق الغليظ، وأن انتشار أو شيوع ظاهرة العنف الأسري مسألة طارئة لم تكن موجودة في قيمنا وعاداتنا وأخلاقنا ولا بد من علاجها دون أن نلصقها بالشرع.
وقال الدكتور محمد عبدالسميع أمين الفتوى بدار الإفتاء، في فتوى له، إن الإسلام لم يحل ضرب الزوجة كما يشاع، و أن الآية الكريمة التي تقول: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، لم تصرح بالضرب، وأمرت الرجل أن يجلس مع الزوجة، وتتحدث معها لتعرف المشكلة وتطرق لحلها.
التعليقات