انهيار خط برليف.. ثغرات الساتر الترابي.. بناء حائط الصواريخ.. ملحمة سلاح المهندسين في حرب أكتوبر
إنهيار خط برليف.. ثغرات الساتر الترابي.. بناء حائط الصواريخ.. ملحمة سلاح المهندسين في حرب أكتوبر

مريم محمد إسماعيل

نصر أكتوبر المجيد، الملحمة العظيمة التي ستظل رمزًا خالدًا تتباهى به الأجيال، وتذكر لحظة رفرفة العلم على أرض سيناء الغالية، لقد أثبتت تلك الحرب كفاءة المصريين، وكانت دليلًا دامغًا على أن المصريين أعظم البنائين الذين شهدهم العالم؛ فقد بنوا عجائب العالم القديم -ولم يكتفوا بذلك فحسب- أثبتوا أنهم شعب لا يعرف المستحيل؛ فعبروا أصعب مانع مائي عرفته حرب في التاريخ “قناة السويس”، واخترقوا “خط برليف” أعتى مانع صناعي أُقيم في حرب، ودمروا أقوى خط دفاع أقامه جيش في العالم، لقد أنشأ سلاح المهندسين دشمًا للطائرات وبنوا حائط الصواريخ، وفتحوا ثغرات في الحاجز الترابي؛ وبذلك حققوا إعجاز العبور في 6 أكتوبر.

حرب أكتوبر لم تكن معجزة المهندس المصري الأولى

لقد سبقت تلك المعجزة عدة إنجازات وإعجازات مدنية وعسكرية، سواء فى العصر القديم أو العصر الحديث، فالمهندس المصرى كان أول من فكر في شق الترع والمصارف، وإقامة شبكة ري بالمفهوم الحديث، لترسي قواعد الحضارة الإنسانية، كما كان أول من استخدم الحجارة فى البناء.
استطاع سلاح المهندسين أن يلفت انتباه العالم بمعجزة العبور، التي شمت فتح الثغرات في الساتر الترابي بطريقة شديدة البساطة، وبناء الكباري، وعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة، ووقتها قالت الصحافة العالمية: “إن المهندسين المصريين استطاعوا بناء الكباري لعبور قناة السويس، وأن عملية المرور أكثر سلاسة فيها عن شوارع القاهرة”.

                 

الحرب النفسية لبث الرعب وإجحاف الهمم

أجمعت دول العالم الصديقة والمعادية على استحالة التغلب على مشكلات عبور قناة السويس، وخط بارليف وتنفيذ هذه المهمات مجتمعة، وقد برز ذلك فى مذكرات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “الجنرال إليعازر” الذي قال: “أن مناقشات القيادة الإسرائيلية لدراسة احتمال عبور المصريين القناة بحضور وزير الدفاع “موشي ديان” قد عبرت عن استبعاد وتجاهل وجود قطاع هندسي مؤثر في الجيش المصري.

وصرح بأن المصريين يحتاجون لعبور قناة السويس إلى سلاح المهندسين الأمريكي والسوفييتي مجتمعين للمساعدة في ذلك”، وكان لديه ثقة مفرطة في عجز سلاح المهندسين المصري في تشكيل أي خطر على خط بارليف والعبور.

أضف لذلك أن إدارة العمليات الإسرائيلية كانت تحصر كل التصورات أن العبور سيكون في نطاق 1500 جندي في أسوأ الظروف.

ولكن ما لم يعرفه الكثيرين أن التخطيط للحرب كان منذ اللحظات الأولى لوقوع النكسة واحتلال سيناء، فقد عزمت القوات المسلحة على الحرب وبذلت مجهودات خارقة خلال الـ 6 سنوات التي مرت بين النكسة والنصر، وسلاح المهندسين العسكريين كان إحدى مفاجأت حرب أكتوبر المجيدة.

وقد بدأ دور المهندسين العسكريين فور الهزيمة حيث قام بالتعاون مع شركات الإنشاءات المدنية بإنشاء ساتر ترابي على الضفة الغربية لقناة السويس لتوفير الحماية للقوات المصرية من نيران ومراقبة العدو وذلك عقب احتلال سيناء مباشرة.

بدء الاستعدادات على قلب رجل واحد:

1- بناء الدشم
وبدأت ملحمة سلاح المهندسين بعد حرب 1967 مباشرة، ببناء دشم حصينة لحماية الطائرات من ضربها على الأرض ويقول المؤرخ العسكري البريطاني، إدجار اوبلانس، في كتابه الشهير “حرب أكتوبر: العبور والثغرة”، أن تلك الدشم أثبتت فاعليتها الشديدة خلال حرب أكتوبر، وفرضت القيادة العسكرية صرامة شديدة في استخدامها، بحيث تكون الطائرات في دشمها دائمًا ما لم تكون في الجو، وأن الطيران الإسرائيلى لم يستطع تدمير طائرة واحدة على الأرض كما حدث فى حرب 1967.. مضيفًا أن هذا النجاح الباهر دفع كل دول حلف وارسو لتطبيق الفكرة في مطاراته.

2-حائط الصواريخ.. التغيير الاستراتيجي في توازن القوى

بعد حرب 1967 مباشرة أدركت القيادة السياسية أهمية الصواريخ المضادة للطائرات، وفي النصف الثاني من عام 1970 قررت مصر الدفع بحائط الصواريخ من عمق البلاد إلى الحافة الغربية لقناة السويس، وقال اللواء محمد على فهمى، والذي تولى قيادة قوات الدفاع الجوي خلال حربي الاستنزاف وأكتوبر :”نجحنا فى بناء حائط الصواريخ فى أغسطس 1970، وعندئذ اختلفت الصورة تمامًا، وبدأ الطيران الإسرائيلي يعاني نزيف الخسائر التي تلحقها به قوات الدفاع الجوي المصري”.

دور ملحمي أظهره سلاح المهندسين في المعركة

كان لهذا السلاح الدور الفعال في حرب أكتوبر، وكان يتحتم عليه إنجاز عدة مهام أساسية:
1- فتح 70 ثغرة في الساتر الترابي خط بارليف على الجانب البعيد، كل منها 1500 متر مكعب.
2- إنشاء 10 كباري ثقيلة لنقل ولعبور الدبابات والمدافع والمعدات الثقيلة.
3- إنشاء 5 كباري خفيفة حتى يمكنها تجتذب نيران العدو وبالتالي تخفف هجوم العدو على الكباري الرئيسة.
4- بناء 10 كباري اقتحام لعبور المشاة.
5- تجهيز وتشغيل 35 معدية نقل عبر القناة.
6- تشغيل 720 قاربا مطاطيا لعبور المشاة.
مع العلم أن جميع هذه المهام ستتم في وقت واحد، بحيث يتم فتح الثغرات فيما بين 5 و 7 ساعات تقريبا بينما يتم بناء الكباري بعد ذلك بحوالي ساعتين، مع الأخذ في الاعتبار أن العمل سيتم تحت نيران ومدفعية العدو.
لقد كانت الوحدات الهندسية المكلفة بهذه المهمات حوالي 35 كتيبة في مختلف التخصصات.


ويجدر الإشارة إلى أن سلاح المهندسين كان هو المفاجأة والضربة الرئيسية للعدو في استراتيجيات المعركة بشكل عام، حيث ترك العدو يتوغل ويطمئن في أماكن مفتوحة أو الإيحاء له بأنها آمنة، واستدراجه ثم محاصرته في الوقت المناسب، مع الإيحاء له أيضا أنه خسر بعض الخسائر أو يتقهقر وهذا ما يغري عدوه للهرولة في المكان الذي يحدده وبالسرعة التي يطلبها أحيانا.

وفى تلك اللحظة اختلت موازين القوى فى المنطقة، حيث استطاع حائط الصواريخ بعد تحريكه أن يوفر شريط بكامل طول قناة السويس وبعرض من 12 إلى 15 كيلو متر شرق القناة موفرًا بذلك الحماية الجوية الازمة لعبور الأفراد والأسلحة الثقيلة.

ستظل بطولات أكتوبر 1973 المجيدة تدرَّس في كل الكليات والمعاهد العسكرية العالمية؛ لما ضربها أبطال القوات المسلحة من بطولات، سطرتها كتب التاريخ.

التعليقات