الزمان: العصر الفرعوني والعصر الأيوبي وبداية حكم المماليك
المكان: مصر القديمة
تعتبر مصر من أكثر البلدان المشهورة بالطعام حول العالم، فالشعب المصري يحب التفنن في الطبخ، وابتكار الوصفات الجديدة ونقلها إلى مختلف البلدان، ومن أشهر الأكلات المصرية حلوى أم علي، التي يتناولها المصريون غالبًا عقب المشاوي، ولكن كيف ظهرت حلوى أم علي؟ ومن أول من أدخلها بالمطبخ المصري؟ ارتبطت القصة بعيد وفرحة، وكذلك موت وغيرة؛ لتظهر لنا أحد أروع الحلويات.
فتة تمارا.. أصل الحكاية
لم تكن «أم علي» الاسم الأول الذي أطلق على تلك الحلوى التي عرفها المصريون، ولكن تغير اسمها فيما بعد لأم علي، وقديمًا كان يطلق عليها «فتة تمارا»، وتعود الحكاية إلى عهد الملكة حتشبسوت ملكة مصر من الأسرة ال18، حيث ابتكرت خادمتها تمارا أكلة حلوة؛ لتقدم كهدية في عيد الآله حورس، فكانت الملكة تدعو كل من يجاور قصرها؛ للأحتفال بالعيد في المعبد وتناول فتة تمارا، التي سميت بذلك نسبة للمبتكرة الأصلية تمارا.
وتصنع فتة تمارا عن طريق تحمير الرحى وتفتيته، مع إضافة اللبن المغلي واللوز الحلبي والقشطة والسمنة، وعسل النحل البديل عن السكر الحلو، وتوضع بالفرن لدقائق حتى يتغير لونها للذهبي، وانتقلت هذه الوصفة من مصر إلى بلاد الشام.
وتربعت الجارية على عرش مصر
تبدأ قصتنا بالملك الصالح نجم الدين أيوب آخر سلاطين الدولة الأيوبية، الذي أعجب بجارية كانت جميلة جدًا وعلى درجة كبيرة من الذكاء، وقرر أن يعتقها ويتزوجها واسماها شجر الدر أو شجرة الدر.
انشغل الملك الصالح بمحاربة الأيوبيين الذين يصارعوه على العرش؛ مما فتح بابًا للجيش الصليبي بقيادة لويس التاسع أن يدخل مصر ويستقر في دمياط، وينطلق منها إلى المنصورة؛ ليتنبه نجم الدين لخطورة الأمر، ويسارع بجيشه ليضع حدًا لهذا التدخل الأرعن، ولكنه ما لبث طويلًا حتى لاقى مصرعه في أرض المعركة؛ ليستقر الحكم كاملًا في قبضة شجرة الدر زوجته.
ملكة تحكم مصر وتصك النقود باسمها
استطاعت شجرة الدر أن تحكم سيطرتها على البلاد، وتطرد الجيش الصليبي، واستقلت بحكم مصر وصكت النقود باسمها، وكانت توقع عليها باسم المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين، وكان يخطب لها بالمنابر؛ ليقابل ذلك معارضة شديدة من الخليفة العباسي في بغداد والأيوبيين في دمشق، فلم يقبلوا أن تتولى امرأة حكم البلاد.
نقطة تحول في الأحداث.. بداية حكم المماليك
لم يكن أمام شجرة الدر خيار سوى أن تتخلى عن الحكم، أو تتزوج رجل يتولى شؤون البلاد؛ ليعقد قرانها على عز الدين أيبك المملوكي، بشرط أن ينفصل عن زوجته السابقة، ويتخلى عن ابنه المنصور علي؛ حتى لا ينتقل العرش إليه، وتولى أيبك الحكم جنبًا إلى جنب مع شجرة الدر، ولكنه سرعان ما بدء يسحب منها الصلاحيات وينفرد بحكم البلاد، كما أنه أراد أن يتزوج للمرة الثالثة ابنة حاكم الموصل “بدر الدين لؤلؤ”.
وجدت شجرة الدر أنها لم يعد يبقى لها شيء في الحكم، بالإضافة لفكرة زواج أيبك، ومعرفتها أنه لم يقطع علاقته مع زوجته السابقة؛ فدبرت خطة لقتله وجمعت 5 من الخدم لينهالوا عليه بالضرب حتى فارق الحياة، وأعلنت بعد ذلك أنه مات بشكل مفاجيء، لكن الحرس لم تنطلي عليهم هذه الحيلة وحققوا مع الخدم، حتى عرفوا الحقيقة وأخبروا أم المنصور علي -زوجة أيبك السابقة- بما حدث.
أم علي ما بين احتفال وغيرة
بعد انتشار أخبار مقتل أيبك تدخلت أم علي وقررت الانتقام من شجرة الدر، وتشير بعض الروايات إلى أنها قامت برشوة بعض الجواري لقتل شجرة الدر في الحمام، بضربها بأحذيتهن حتى الموت -وكان النعل في ذلك الوقت يصنع من الخشب-، وقامت برميها من قمة القلعة.
بعد مقتل شجرة الدر طلبت أم علي من الطباخ أن يعد حلوى مكونة من القمح واللبن والسكر والمكسرات، -وكانت هذه الحلوى معروفة في مصر والشام وتركيا- ووزعتهم على أهالي المحروسة احتفالًا بانتقامها ممن قتلت زوجها، وعندما كان البعض يتسأل عن سبب توزيع الحلوى؛ كان يُقال له أختصارًا أم علي نسبة إلى أم سلطانهم المنصور علي.
أم علي وعجوز دلتا النيل
وردت قصة أخرى تفسر أصل حلوى أم علي، وتحكي عن عجوز كانت تعيش في قرية فقيرة على دلتا نهر النيل في القرن 13 وكان لها ابن اسمه علي، وذات مرة أثناء مرور السلطان بتلك القرية حين كان في رحلة الصيد شعر بالجوع، وعرضت عليه أم علي أن تقدم له طعامًا مختلفًا؛ فقامت بمزج كل ما لديها من طعام لتخرج بهذه التحفة الفنية، وأعجب السلطان بذلك كثيرًا وقرر أن تصبح هذه الحلوى طبقًا رسميًا في البلاد، وأطلق عليها أم علي.
الخديوي إسماعيل والمرأة الإيرلندية
تحكي قصة أخرى عن ممرضة إيرلندية تحمل اسم عائلة أومالي O’Malley، والتي أسرت أعين الخديوي إسماعيل في فترة حكمه لمصر والسودان من عام 1863 إلى عام 1879، وقد طلب الخديوي صناعة حلوى خاصة لهذه الممرضة أطلق عليها اسمها أومالي، وتحولت إلى العربية لاحقًا وصارت أم علي.
كانت مصر المنبت
انتقلت الحلوى من مصر إلى العديد من البلدان، ففي العراق تسمى بالخميعة ويفضل إضافة الزبدة أو الدهن الحيواني؛ لجعلها تكتسب دسمًا، وفي السودان فتسمى بفتة اللبن، بينما في السعودية فتقدم في الحفلات الكبيرة، كحفلات الزواج والأعراس.
التعليقات