«اللي ميعرفش يقول عدس» و «دا احنا دافنينه سوا» أصل 4 أمثال مصرية مشهورة

تحتل الأمثال الشعبية جزء من التراث القومي لكل دولة، فلا نجد موقف يمر إلا وكان له ما يعبر عنه من الأمثال الموجزة الدقيقة التي تحكي خلاصة تجارب أجدادنا في الحياة، ولعل طغيان الصبغة الفكاهية هي أهم ما يميز الأمثال العربية عن غيرها، حيث تجد الناس يرددونها ببساطة دون علم منهم بأصلها، أو المناسبة التي قيلت بها، وفي هذا السياق نستعرض بعض الأمثال المصرية الشهيرة مع توضيح ما معنى المثل، وما أصل حكايته، وفيم يضرب؟

1- اللي ميعرفش يقول عدس.. فتاوي وتأليف أقوال

يعد مثل “اللي ميعرفش يقول عدس” مثلًا مصريًا دارجًا يُستخدم في حالة عدم دراية الأشخاص بطبيعة الأمر، فمثلًا عندما يحاول شخص الحديث حول أمر لا يعرفه ويتوهم أنه يعرف الحقيقة، لذا فهو لا يعبر إلا عن الفتاوي وتأليف الأقوال والكلام غير الصحيح.

القصة الأولى: فعلة مشينة

يحمل هذا المثل وراءه قصتين متقاربتين جدًا، أولاهما تحكي أنه كان هناك تاجر يعمل في محل لبيع العدس والفول والبقوليات وكان يثق بزوجته ثقة عمياء، وفي ذات ليلة تركها بالمتجر وذهب ليتفق على شحنة جديدة من العدس، وحينما عاد وجدها تخونه مع شاب في المحل؛ فثار التجار وأخذ يطارد الشاب الذي لاذ بالفرار فور رؤية التاجر، وفي أثناء المطاردة أوقع الشاب شوال العدس بكل ما فيه على الأرض.

في ذاك الحين رأى الناس التاجر يطارد الشاب والشوال مُلقى على الأرض، فظنوا أن الشاب سرق بعض العدس والتاجر يركض خلفه ليعاقبه، فاستنكر الناس فعلة التاجر وقالوا له: “أتفعل كل هذا من أجل شوال عدس؟”، فأجابهم التاجر الذي كان عاجزًا عن ذكر تلك الفعلة المشينة بعبارته الشهيرة التي سطرها التاريخ: “اللي ميعرفش يقول عدس”.

القصة الثانية: سرق محفظتي لا عدسي

أصل المثل.. وفقًا للروايات فالقصة الثانية متقاربة مع القصة الأولى، ولكنها تقول عندما ذهب التاجر ليتفق على شحنة العدس الجديدة هجم عليه لص وسرق نقوده وهرول بعيدًا، إلا أنه تعثر في شوال العدس فأسقطه على الأرض.

ولما رأى الناس ذلك ظنوا أن اللص سرق بعضًا من العدس فقالوا للتأجر: “كل هذا الجري من أجل شوال عدس، أما في قلبك رحمة ولا تسامح” فرد التاجر ساخرًا: “اللي ميعرفش يقول عدس”، ومن ذلك الوقت والجميع يردد هذا المثل في المناسبات والمحافل التي تتفق مع أصل حكايته.

2- دا احنا دافنينه سوا.. المكر لا يجدي بين الأصدقاء

يضرب مثل “دا احنا دافنينه سوا” في التعبير عن أن بواطن الأمور لا تبدو مثل الظاهر، وأن المكر لا يجدي نفعًا بين الأشخاص الذي تربطهم صلة ومعرفة قوية ببعض، ويشار إلى السر الذي يعرفه اثنين دون غيرهم، ففي تلك الحالة لن يستطيع أحدهما الكذب على الآخر؛ لأنه عالم بالأمر ذاته ومشترك في نفس الفعل.

أصل المثل.. “أبو الصبر” أروع صديق

 حكاية مثل.. تحكي القصة عن أخوين فقيرين كانا يمتلكان حمارًا يساعدهما في كل شيء من عمل وتوصيل وتحميل بضائع، فكان يسهل عليهما أمور المعيشة، ليس هذا فحسب بل أصبح هذا الحمار جزء من عائلتهما، وكانا يحبانه كثيرًا فيأكلان معه وينام بجانبهما، حتى أنهما قاما بتسميته “أبو الصبر” ليصير كالأخ لهما.

هنا يرقد أبو الصبر

حكاية مثل.. وفي أحد الأيام بينما يقطعان الصحراء برفقة “أبو الصبر” سقط الحمار ومات، فحزن الأخوان عليه حزنًا شديدًا، وقاما بدفنه بشكل لائق في الصحراء، وكتبا على شاهد قبره “هنا يرقد أبو الصبر”، وجلسا يبكيان على قبره لساعات طويلة.

أبو الصبر عبد صالح أو عالم جليل

حكاية مثل.. طال الوقت حتى أقبل بعض الناس إلى موضعها ووجدهما يبكيان بحرقة ويقولان: “لقد مات أبو الصبر، لقد كان الخير والبركة، كان أفضل مساعد وصديق، وكان يقضي للناس الحوائج، ويوصل البعيد، ويهون علينا الطريق، مات من كان معينًا للجميع” فظن الناس من كلام الأخوين أن أبو الصبر شيخ فضيل أو عالم جليل أو عبد صالح، فتعاطفا مع الأخوين وشاركوهم البكاء.

اعتقاد خاطئ ترتبت عليه عواقب وخيمة

حكاية مثل.. مع مرور الأيام بدأ الناس يتبرعون بالأموال للأخوين تعاطفًا مع مصابهما، فقام الأخوين ببناء خيمة على القبر حتى يأتي الناس إليهم للتبرع وليستقرا بها، ثم زادت التبرعات فقرر الأخوين بناء حجرة بدلًا من الخيمة، وبدأ الناس يزورون القبر ويقرءون الفاتحة لروح العبد الصالح أبو الصبر.

حكاية مثل.. لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تم اعتبار القبر مزارًا يقصده الناس من شتى البقاع، حتى يتوددوا إلى شيخ أبو الصبر ويطلبون منه أن يقضي لهم الحوائج؛ وكان ذلك نتاج إشاعة نشرها الأخوين في أن الشيخ أبو الصبر له كرامات ومعجزات.

حكاية مثل.. ومن وراء هذه الخديعة اغتنى الأخوين وادخرا مالًا لا بأس به، وفي يوم من الأيام اختلف الأخوين على تقسيم المال بينهما، فغضب أحدهما وقال لأخاه: “والله لأطلبن من الشيخ الصالح أبو الصبر -وهو يشير إلى القبر- أن ينتقم منك ويريك غضبه، ويسترجع حقي” فضحك أخوه وقال: “أي حق يا أخي؟ وكأنك نسيت؟ دا احنا دافنينه سوا”.

ومع مرور الزمن لم يكن الأخوين يعلمان أن قصتهما ستصير مثلًا يردده الناس من بعدهما، لوقت طويل غير معلوم، ولكن أصل الحكاية غاب في الثرى، ولم يتبق سوى بضعة كلمات معدودة تلخص طبيعة الحال “دا احنا دافنينه سوا”.

3- الطبع يغلب التطبع.. أصل مثل عادت حليمة إلى عادتها القديمة

تحمل الأمثال الشعبية سحرًا خاصًا يتناسب مع الموقف الذي تقال به وكثيرة هي المواقف التي ساقت أمثال يرددها الناس حتى يومنا الحالي ومنها “عادت حليمة لعادتها القديمة” فمن هي حليمة وما العادة التي رجعت لها وفي أي ظرف يضرب هذا المثل؟

الطبع ثابت مهما تغيرت الأحوال وتبدلت المظاهر

حكاية مثل.. ترجع قصة هذا المثل إلى حليمة زوجة حاتم الطائي المعروف بكرمه الشديد ولكن على خلاف ذلك كانت حليمة تشتهر بالبخل والتقطير وتقتصد في استخدام موارد المنزل فكانت تضع القليل من السمن أثناء الطهي.

حاول زوجها أن يجعلها تضع سمن أكثر أثناء طهي الطعام فأقنعها أن ذلك سيزيد من عمرها هنا حليمة بدأت تفرط في استخدام السمن عند الطهي رغبة في زيادة عمرها.

ولكن في أحد الأيام سمعت حليمة خبر وفاة ابنها الوحيد فكانت تتمنى الموت ليلًا ونهارًا لذا عادت تقلل من استخدام السمن أثناء الطهي فلاحظ الضيوف قلة السمن في الطعام فقالوا “عادت حليمة لعادتها القديمة”.

يقال هذا المثل فيمن له طبع سيء ثم يتركه وقتًا لكنه يعود إليه مرة أخرى في ظرف من الظروف فهو يعبر عن عودة الحال كما هو مهما تبدلت المظاهر.

4- طبع سيء ينتصر على الأفعال الجيدة.. أصل مثل اتق شر من أحسنت إليه

ترتبط الأمثال الشعبية بالإنسان ارتباطًا وثيقًا لما لها من الإيجاز والخفة المتناسبة مع الأحداث والمواقف المختلفة، ومن ضمن هذه الأمثال “اتق شر من أحسنت إليه” فما أصل هذا المثل، وما العبرة المستفادة من وروده؟

اختلاف الموازين

قد يتفق البعض مع صحة المثل القائل “اتق شر من أحسنت إليه” بينما على النقيض قد يعارضه آخرين، فكل فرد يصنف المثل طبقًا للموقف الوارد به، وخاصة عندما يتعامل الشخص مع بعض الناس الذين ينكرون الجميل ولا يعترفون بفضل أحد بل ربما قابلوا ذلك الجميل بالإساءة، هنا ينطبق عليهم القول “اتق شر من أحسنت إليه”.

جرو صغير يصبح ذئبًا كبير

تعود قصة هذا المثل إلى إحدي القرى الريفية حيث كان يعمل رجل في رعي الأغنام بإحدى المزارع، وذات يوم وجد ذلك الراعي جرو صغير يرتجف من البرد والجوع؛ فعطف عليه وقرر الاعتناء به جيدًا.

لذا أخذه معه إلى المزرعة وخصص له شاة من أغنامه ليحصل منها على الحليب، وتكون بمثابة أم له وكانت تلك الشاة من أفضل ما لديه من النعاج.

مع مرور الأيام والشهور كبر ذلك الجرو وصار قويًا ضخم البنية، وفي صبيحة أحد الأيام دخل الراعي إلى المزرعة مثل العادة، فوقف مشدوهًا من هول ما رأى فقد كان هذا الجرو الصغير جرو ذئب لا كلب -كما كان يعتقد الراعي-، وهو الآن يفترس تلك الشاة التي كانت تغذيه من حليبها، دون أن يذكر صنيعها وفضلها عليه فقال الراعي “اتق شر من أحسنت إليه”.

ومنذ ذلك الحين وأصبح ذلك المثل يُضرب لمن تقدم له معروفًا أو تساعده في محنته؛ فلا تلقى منه سوى الألم والجحود ونكران الجميل.

التعليقات