المسحراتي.. ظهر في العصر العباسي.. مهنة ابتكرها والي مصر
المسحراتي.. ظهر في العصر العباسي.. مهنة ابتكرها والي مصر

المسحراتي ظهر في العصر العباسي

الزمان: عام 853 ميلادية.

المكان: مصر في العصر العباسي.

 

المسحراتي.. ما أن يتم الإعلان عن  حلول شهر رمضان المبارك حتى بدأ ذلك الرجل يستعد لعمله.

يحمل في إحدى يديه طبلة وفي اليد الأخرى عصا يجول بهما الشوارع والحارات.

وهو يردد كلمات نشتاق إليها من العام للعام “اصحى يا نايم.. وحد ربك الدايم.. رمضان كريم” فما حكاية هذا الرجل الذي نطلق عليه اسم “المسحراتي”؟

المسحراتي.. تراث إسلامي يرتبط بشهر الصيام

كلمة المسحراتي مشتقة من “السحور” والمسحر هو الشخص الذي يجوب الشوارع حاملًا طبلة وعصا يطرق بها لينبه المسلمين ببدء موعد السحور والاستعداد للصيام.

ويكون ذلك قبل آذان الفجر بوقت كافي، فيبدء المسحراتي بترديد بعض العبارات المشهورة:

مثل “اصحى يا نايم وحد ربك الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم”.

بلال بن رباح.. أول مؤذن في الإسلام

هذه سنة مأخوذة عن الرسول الكريم -محمد صلى الله عليه وسلم- حيث كان بلال بن رباح صاحب الصوت العذب يؤذن بصحبة ابن أم مكتوم، طوال شهر رمضان ليتناول الناس السحور.

ثم يؤذن ابن أم مكتوم ليمتنع الناس عن الطعام ويستعدوا لصيام الشهر الفضيل.

فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: “إن بلالًا يُؤذِّن بليل، فكُلُوا واشرَبوا حتى يناديَ ابنُ أمِّ مكتوم”.

 

إسحاق بن عقبة.. أول مسحراتي في مصر

ظهر المسحراتي لأول مرة في مصر عام 853 ميلادية في عهد والي مصر العباسي إسحاق بن عقبة.

حيث كان المسلمون يخلدون للنوم بعد صلاة العشاء.

ولذلك كان إسحاق بن عقبة يطوف شوارع القاهرة ليلًا لإيقاظ أهلها للسحور.

وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر بالفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص.

 

 

أحوال المسحراتي في الدولة الفاطمية

في عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله أمرًا بأن ينام الناس مبكرًا بعد صلاة التراويح.

لذلك كان الجنود يمرون على المنازل ويطرقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور.

ثم تم تعيين شخص لهذه المهمة أطلقوا عليه اسم “المسحراتي”، الذي كان يدق الأبواب بعصًا يحملها في يديه ويقول مرددًا: “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

 

المسحراتي مهنة رسمية في عصر الدولة المملوكية

مع تعاقب الأزمان كادت مهنة المسحراتي أن تندثر وتصبح من التراث العتيق إلى أن جاء السلطان المملوكي الظاهر بيبرس.

وعمل على إحياء هذه الحرفة فقام بتعيين صغار علماء الدين للطرق على الأبواب وإيقاظ الناس للتسحر.

وبعد أكثر من نصف قرن في عهد الناصر محمد بن قلاوون ظهرت “نقابة للمسحراتية” أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني الشهير بـ”ابن نقطة”، وكان ظهورها الأول في بغداد لتنتقل بعد ذلك إلى القاهرة.

 

 

طبلة وعصا.. تطور مهنة المسحراتي

كان “ابن نقطة” المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وتطورت على يديه مهنة المسحراتي.

ثم تم استخدام الطبلة والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلًا من استخدام العصا، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية وقصص من الملاحم وزجل خاص بهذه المناسبة.

 

المسحراتي في الدول العربية والإسلامية

تختلف مظاهر مهنة المسحراتي في مصر عن العالم العربي حيث يحمل المسحراتي في مصر العصا والطبلة لإيقاظ الناس.

بينما المسحراتي في الدول العربية يحمل مزمارًا ويطلق عليه “النفار” في المغرب و”أبو الطبل” في دول الخليج.

وكذلك تختلف الكلمات التي يرددها المسحراتي من دولة لأخرى، ولكن تبقى أشهرها وأكثرها ارتباطًا بالشهر الكريم هي العبارات المصرية.

 

 

المسحراتي في عصر التطور التكنولوجي

مع التطور الذي نعيشه في عصرنا بدأت مهنة المسحراتي تتراجع شيئًا فشيئًا، وما هي إلا محاولات طيبة من البعض للإبقاء عليها كتراث أصيل أعتدنا عليه في الشهر الفضيل.

فمن خلال محاولة لجذب الإنتباه إليه قام المسحراتي بتدوين أسماء كل من يرغب في النداء عليه؛ لإيقاظه عند السحور.

ومع ظهور الراديو والتليفزيون بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء:

مثل: بيرم التونسى وفؤاد حداد والفنان الراحل سيد مكاوى، الذين تولوا مهمة نقل تلك الوظيفة إلى شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة، ليستخدموا أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور.

ولكن وعلى الرغم من كل ذلك التطور لا يوجد شيء يُضاهي شعورنا جميعًا عندما نسمع صوت طبلة المسحراتي تدوي في الشارع وقت السحور.

المسحراتي ظهر في العصر العباسي

التعليقات