الزمان: المولد النبوي 12 ربيع أول
المكان: الدول الإسلامية
في هذا الوقت من العام يمتلئ عالمنا الإسلامي بنفحات عذبة استعدادًا للأحتفال بالمولد النبوي الشريف، فتجد الشوارع تعبق برائحة الحلوى والزينة معلقة بالطرقات وعلى مقدمة المحال تجدها، تلك العروس التي تزين رأس الهرم كتحفة نادرة.
إنها المناسبة العظيمة التي ينتظرها المسلمون كل عام، لتدب الفرحة العارمة لقدوم الهادي الشفيع، نشتري الحلوى والعرائس، ولكن لماذا ارتبطت تلك الحلوى بالمولد النبوي؟ ومتى ظهرت لأول مرة؟ إنها تراثنا الذي صار جزءً من الفلكلور الشعبي يتوارث عبر الأجيال.
حلوى المولد النبوي ما بين القدم والحداثة
حلوى المولد إنها سمة المولد النبوي في مصر، فما إن يبدأ شهر ربيع الأول تنتشر في ربوع البلاد بمختلف الأشكال والأنواع، فمنها الأقراص والحمصية والسمسمية وأنواع مختلفة من الملبن، والفستقية والبندقية واللوزية، يشتريها المصريون للأحتفال بأجواء المولد النبوي الشريف، ولكن متى ظهرت هذه العادة؟
لنعود للوراء قليلًا لنتتبع بداية هذه الحلوى، وتحديدًا قبل 1000 عام في زمن الخلافة الفاطمية في القرن الرابع الهجري عام 973، فقد وردت عدة روايات في أصل هذه الحلوى، بعضها يقول إن الدولة الفاطمية كانت تجد صعوبة في السيطرة على مصر بالسيوف والمعارك -فكانت الحروب تزيد الطين بلة-.
فعمدوا إلى التقرب والتودد للمصريين عن طريق توزيع الحلوى والمشروبات بشكل مجاني، كنوع من التقرب السياسي في فترة المولد النبوي، وأخذت هذه الحلوى تتطور حتى تعددت أنواعها واختلفت أشكالها، لتصير على ما هو عليه حاليًا.
وتسرد رواية أخرى أن الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الناس على عقد الزواج بالتواكب مع المولد النبوي، فكانت الأفراح تنتشر في هذه الفترة، يصاحبها تعليق الزينات، وابتدع الناس وقتها الحلوى على شكل العروسة المزينة بالأوراق، والعريس على الجواد.
كانت العروسة الحلاوة في هذا الوقت هدية يقدّمها أهل العريس إلى عروس ابنهم، وهي عادة لا تزال باقية عند قطاعٍ كبيرٍ من المصريين حتى الآن، ففي كثير من الأماكن لا يزال العريس يقدم لعروسه في المولد النبوي عروسة المولد الشهيرة كتقليد وتراث اشتهر به المصريون.
فلكلور شعبي انطلق من الورش اليدوية
تطورت صناعة حلوى المولد بمرور الزمن، إذ كانت في البداية تصنع بشكل يدوي بسيط حتى وصلت إلى المصانع الكبرى، ويعد شارع باب البحر الأحمر في القاهرة معقل صناعة حلوى المولد، حيث يضم الكثير من المصانع والورش المتخصصة في صناعه عروسة المولد.
كما اختلفت الحلوى كثيرًا عن السابق، فحاليًا أصبحت تصنع بشكل مميكن ويوضع لها اشتراطات صحية، ويدون عليها تاريخ إنتاج وبالطبع هذا يختلف عن الزمن الماضي بشكل كبير، حيث كانت تصنع كليًا بشكل يدوي وتحتاج لوقت وجهد كبير جدًا.
أما عروسة المولد فكان يتم صنعها عن طريق تسخين السكر لمرحلة الغليان، ثم يصب في القوالب الخشبية المخصصة لذلك التي تأخذ شكل العروسة والحصان، ويُترك فترة بسيطة حتى يجف ثم نخرجه من القالب؛ لتظهر العروسة في شكلها النهائي.
والتطور الذي طرأ عليه لم يكن في الصناعة بل كان في التزيين، فقديمًا كان يزين بالأوراق الملونة، وبعد ذلك اختلفت خامات الأوراق الملونة فاستعملوا ورق الكروشية وأوراق السلوفان اللامعة، أما بالنسبة للحصان فكان التغيير يكون في لون علم مصر الذي يوضع على ناصيته باختلاف الحقبة التي تمر بها البلاد.
وحاليًا أصبحت توجد أنواع أخرى من المكسرات تضاف في حلوى المولد، مثل البندق والفستق والكاجو بالإضافة لقمر الدين والمشمش المجفف والكريز والقراصيا، ويحرص المصريون على شرائها في تلك الفترة ليحيوا أجواء المولد الجميلة.
الحاكم بأمر الله وزوجته عروس المولد
في صباح الثاني عشر من ربيع أول، في عهد الدولة الفاطمية، وفي قصر الحكم تجد ذلك الخليفة الفاطمي الملقب بالحاكم بأمر الله يستعد ليرأس الموكب؛ فتجد الخدم يلبسونه أفخم الثياب المرصعة بالجواهر.
وعقب الإنتهاء يتوجه إلى إحدى زوجاته -التي أعتاد أن يصحبها معه في ذلك اليوم- وكانت قد تزينت بأبهى حُلة، فستان ناصع البياض مصبوغ بلون الثلج وعلى رأسها قد وضعت تاج من زهور الياسمين، مجسدة في هيئها الحوريات، فترى هذا الثنائي يتجه إلى عربة الموكب يتجولان في شوارع القاهرة، يحتفلون ويهنئون أهالي المدينة بالمولد النبوي الشريف.
لقد كانت تلك الشرارة التي أشعلت الفتيل، لينطلق صانعي الحلوى في صنع تماثيل لعرائس جميلة ترتدي ثوبًا مزركشًا على غرار زوجة الخليفة الفاطمي، ويبدؤن في بيعها في المولد النبوي، كما صنعوا بجوارها فارسًا يمتطي حصانه.
لم يكتف العصر الفاطمي بتلك الأجواء للأحتفال بالمولد النبوي؛ فتجد أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أمر أن تتزامن جميع الأفراح وعقود القران فى البلاد مع عيد المولد النبوي الشريف، وهكذا أصبحت العروس الحلاوة من معالم المولد النبوي الشريف، ولكن لم تعد تدل على عقود القران.
اقرأ أيضًا:
الدولة الأيوبية احتفلت بالمولد النبوي بـ 300 ألف دينار.. والفاطمية اخترعت الحلوى ووزعت الصدقات
أضرار حلاوة المولد علي زيادة الوزن
التعليقات