غيرت ديانتها وعاشت في إسرائيل.. من هي جاسوسة النكسة انشراح موسى؟
غيرت ديانتها وعاشت في إسرائيل.. من هي جاسوسة النكسة انشراح موسى؟

جاسوسة النكسة انشراح موسى

 

انشراح موسى.. من منّا لا يذكر مسلسل «السقوط في بئر سبع»، الذي عرض لأول مرة 1995 وحقق مشاهدات عالية، ليتوالى عرضه مرة تلو الأخرى؛ كلما صادفت مناسبة وطنية في البلاد.

 

وذلك حتى يلفت أنظارنا جميعًا إلى المثل القائل «الجريمة لا تفيد»، وأن المجرم مهما كان ذكيًا سوف يقع في تلك الشباك التي نصبها بنفسه.

فهل كنت تعلم أن هذا المسلسل مأخوذ من قصة حقيقية، أبطالها من أخطر الجواسيس الذين عملوا لحساب إسرائيل، بل واشركوا أبنائهم الصغار في هذا الفعل الفاحش، ليرسموا مثالًا للخسة والدناءة في خيانة الوطن.

 

 

 

انشراح موسى.. من المنيا إلى العريش

بطلة حكاية اليوم من الأشرار، ونادرًا ما نجد عملًا يكون بطله شريرًا، فنحن أعتدنا الحكايا التي يظهر فيها البطل الشهم الطيب، الذي يساعد الجميع ويحبه الصغير قبل الكبير.

لكن لندع هذا الأمر جانبًا ونبدأ في سرد الحكاية التي بين أيدينا.

مسلسل «السقوط في بئر سبع» كان يتحدث عن بطلان زوج وزوجة، ومحطتنا الأولى ستكون مع الزوجة، المعروفة باسم انشراح علي موسى، ابنة صعيد مصر، التي ولدت في المنيا 1937.

وكانت انشراح تنتمي لأسرة متوسطة الحال، أتمت معها تعليمها حتى حصلت على الشهادة الإعدادية عام 1951.

وفي إحدى المرات بينما كانت انشراح في حفل زفاف أحد أقاربها، تعرفت على شاب من مدينة العريش من مواليد 1929 يدعى إبراهيم سعيد شاهين.

الجاسوسة انشراح موسى

وقد أثمرت تلك المعرفة عن تقدم إبراهيم بعرض زواج إلى والدي انشراح، وقد عارضت والدتها الأمر في البداية؛ لبعد المسافة بين المنيا والعريش، إلا أن انشراح تمسكت بالفكرة وأصرت على رأيها.

 

وخلال مدة قصيرة تم الزواج، وانتقلت انشراح لتعيش مع زوجها في مدينة العريش.

مغمور يتعجل زيادة دخله

كان إبراهيم شاهين كاتب حسابات بمكتب العمل بالعريش وقد بدأ سلكه الوظيفي مغمورًا يتعجل الزيادة سواء بطريق مشروع أو غير مشروع.

ولم يكن إبراهيم يأبه لسمعته كثيرًا لذا لا تعجب إن رأيته وقع في جريمة رشوة حبس على إثرها 3 أشهر.

استغلال أوضاع البلاد لتحسين الحال

عقب هزيمة 1967 واجتياح إسرائيل لسيناء، بدأت المخابرات الإسرائيلية تبحث عن عملاء جدد لها، وراحت تتصيد أصحاب الضوائق المالية.

في الوقت نفسه كان إبراهيم شاهين قد تعرف على الحاكم الإسرائيلي؛ لأنه رغب في الانتقال من العريش إلى القاهرة بعد تلطيخ سمعته، وهذا يتطلب موافقة السلطات الأمنية الإسرائيلية.

إبراهيم سعيد شاهين

وبالطبع إن تقابل مستغلان من السهل أن نتوقع ما استقر عليه الحال، فقد شرع الحاكم الإسرائيلي على الفور في إغراء إبراهيم بعطايا لم يحلم بها من قبل.

 

 

كما أغدق عليه بالنقود والتأمينات، لدرجة أنه أعطاه ألف دولار، مقابل أن يجمع معلومات عن مصر ويسلمها لإسرائيل.

هو وزوجته شركاء في الخيانة

عندما عاد إبراهيم إلى زوجته محملًا بالهدايا والطعام الوفير، تعجبت انشراح خاصة أنها تعلم سوء أوضاع البلاد -وقتها-، بالإضافة لكون زوجها قد طرد من عمله -سابقًا-.

سألت انشراح زوجها عن مصدر النقود، فأخبرها أنه أرشد اليهود عن مخبأ أحد الفدائيين؛ فأعطوه ألف دولار مكافأة له.

هلعت الزوجة من الخبر لأول وهلة، لكن عندما تبينت ما بين أيدهم من النعم، قالت لزوجها: “لا بأس كانوا سيمسكونه على أية حال”، فسألها زوجها: “ألا يعد ذلك خيانة؟!” فأجابت انشراح مستنكرة: “مستحيل، غيرك كان سيبلغ عنه ويفوز بالألف دولار!”.

 

جاسوسة النكسة انشراح موسى

 

جاسوس بئر سبع.. تدريبات الجاسوسية

بدأ إبراهيم شاهين تدريبه على الجاسوسية في منطقة بئر سبع، وكان يقوم ببث الشائعات وإطلاق النكات السياسية، التي تسخر من القيادة المصرية.

ومع مرور الوقت بدأ يتعلم كيفية الحصول على معلومات أمنية، كما تلقى هو وزوجته تدريب على طريقة استخدام الحبر السري وإرسال الرسائل المشفرة.

وتم تزويد الزوجان بأحدث الكاميرات لتصوير المواقع العسكرية، كما تعلما كيفية التمييز بين الأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة.

 

جاسوسة النكسة انشراح موسى

 

جواسيس حي المطرية

تمكنت المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع الصليب الأحمر، من نقل انشراح وإبراهيم إلى القاهرة، ومنحتهما سكنًا مجانيًا بحي المطرية، وذلك في 19 نوفمبر 1967.

وفي البيت الجديد بدأ إبراهيم وانشراح عملهما السري، واتخذا من تجارة الملابس والأدوات الكهربائية ستارًا لهما.

تجنييد الأبناء الصغار

أعطت المخابرات الإسرائيلية “الموساد” اسميين مستعارين لإبراهيم وانشراح، هما موسى حاييم ودينا حاييم.

ولم يكتف إبراهيم وانشراح بذلك، فقد قاما بتجنيد أبنائهم الثلاثة، الذين عملوا على مصادقة أبناء الضباط؛ لمعرفة مواعيد ومواقع عمل آبائهم، وبعد ذلك يقوم إبراهيم وزوجته بإرسال المعلومات إلى تل أبيب، باستخدام الحبر السري.

استهداف الفريق عبد المنعم رياض

ومن ضمن البيانات التي نجح الزوجان في إرسالها، بعض المعلومات الهامة التي استغلتها إسرائيل.

واستهدفت بها الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان الجيش المصري خلال فترة الاستنزاف.

الفريق عبد المنعم رياض

الملازم انشراح والعقيد إبراهيم

في عام 1968 سافر الزوجان إلى لبنان، ثم توجها منها إلى روما، وهناك بمندوب الموساد الإسرائيلي الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيلية.

ثم توجهوا جميعًا إلى إسرائيل، حيث خضعا لدورات تدريبية مكثفة، في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة والتصوير الفوتوغرافي وجمع المعلومات.

وتم منح إبراهيم رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي، بينما منحت انشراح رتبة ملازم أول.

وبين عامي 1967 و1974 تمكن الزوجان من إرسال بيانات دقيقة عن المجتمع المصري، بالإضافة إلى صور مواقع حساسة للجيش المصري إلى تل أبيب، باستخدام جهاز إرسال الرسائل المشفرة الذي حصلا عليه من إسرائيل.

انشراح موسى

الجاسوسة انشراح موسى تفكر في الاعتزال

في عام 1972، سافرت انشراح إلى روما حيث قابلت أبو يعقوب أحد ضباط “الموساد”، فطلبت منه انشراح الاعتزال.

وكان ذلك بعد أن شاهدت انشراح تنفيذ حكم الإعدام في جواسيس في شاشة التليفزيون.

فوعدها أبو يعقوب بعرض الأمر على القيادة في تل أبيب، إلا أن انشراح سرعان ما تراجعت عن قرارها.

تدريب شاهين على استخدام جهاز اللاسلكي

بعد حرب أكتوبر 1973، توجه إبراهيم إلى أثينا ومنها إلى إسرائيل، حيث مبنى المخابرات الإسرائيلية.

وهناك تسلم أحدث جهاز إرسال لاسلكي في العالم يتعدى ثمنه 800 ألف دولار.

وذلك؛ لأن إسرائيل كانت تخاف بشدة حيث من الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان يريد تصعيد الحرب.

وتم تدريب إبراهيم 3 أيام على كيفية استخدام الجهاز، وعندما حان وقت عودته إلى القاهرة، تخوف إبراهيم أن يحمل الجهاز معه.

لذلك عرض عليه ضباط الموساد أن يذهب إلى الكيلو 108 طريق القاهرة السويس، وهناك سيجد فنطاس مياه مثقوب وغير صالح للاستخدام، وخلفه جدار أسمنتي مهدم.

وطلبوا منه أن يحفر في منتصفه لمسافة نصف المتر ليجد الجهاز مدفونًا.

ووعدته إسرائيل أن تمنحه مكافأة مليون دولار إذا أرسل لهم موعد الحرب القادمة.

كيف تم القبض على الجواسيس؟

لكن المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، عندما استطاعت المخابرات المصرية التقاط ذبذبات الجهاز بواسطة اختراع سوفيتي اسمه صائد الموجات.

وفي ذلك الوقت كان إبراهيم يقوم بإرسال المعلومات إلى تل أبيب، لكن تعطل المفتاح الخاص بالإرسال.

هنا عرضت انشراح السفر لإحضار مفتاح جديد.

وفي 26 يوليو 1974 سافرت انشراح إلى تل أبيب، وقد فوجئ أبو يعقوب من جرأتها، ومنحها مكافأة بلغت 2500 دولار، مع زيادة المرتب للمرة الثالثة إلى 1500 دولار شهريًا -للعلم كان مرتب الموظف الجامعي وقتها 17 جنيه-.

في ذلك الوقت تمكن رجال المخابرات المصرية من العثور على المنطقة التي يأتي منها الإرسال.

ومع محاولة الإرسال الثانية عثرت المخابرات على موقع إبراهيم بالتفصيل.

وفي فجر 5 أغسطس 1974، كانت قوة من المخابرات تقف على رأس إبراهيم النائم في سريره، ثم اصطحبوه إلى جهاز المخابرات.

بينما بقيت قوة أخرى من رجال المخابرات في المنزل مع أولاده الثلاثة تنتظر وصول انشراح من إسرائيل.

انشراح موسى

القبض على الجاسوسة انشراح موسى

في 24 من أغسطس 1974، وصلت انشراح إلى مطار القاهرة الدولي، واستقلت إحدى السيارات للعودة إلى المنزل.

وعندما فتحت الباب وجدت من يمسك بحقيبة يدها، ويخرج منها مفتاحين لجهاز اللاسلكي.

وتم القبض على انشراح موسى، وقادوها مع أبنائها الثلاثاء إلى مبنى المخابرات المصرية.

وهناك جرى تحقيق شامل مع جميع أفراد الأسرة.

محاكمة جواسيس بئر سبع

في 25 نوفمبر 1974 صدر الحكم بالإعدام شنقًا لانشراح وزوجها إبراهيم.

بينما حكم على الابن الأكبر نبيل بالسجن 5 سنوات.

في حين تم تحويل عادل ومحمد إلى محكمة الأحداث لصغر سنهما.

كيف نجت انشراح موسى من الإعدام؟

بعد إعدام شاهين في 1977، عملت إسرائيل على تأجيل تنفيذ الحكم على انشراح.

وتم الإفراج عن انشراح موسى وأبنائها الثلاثة كجزء من صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل، بعد قضائها 17 شهر في السجن.

الجاسوسة انشراح موسى والحياة في إسرائيل

تمكنت انشراح من دخول إسرائيل مع أولادها الثلاثة، وحصلوا جميعًا على الجنسية الإسرائيلية، وكما قاموا باعتناق الديانة اليهودية.

كذلك بدلوا أسمائهم: اسم شاهين تحول إلى “بن ديفيد”، واسم انشراح صار “دينا بن ديفيد”.

بينما عادل أصبح “رافي”، ونبيل بات “يوسي”، ومحمد صار “حاييم”.

بالإضافة إلى ذلك أصبحت انشراح أو دينا بن دافيد عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا.

بينما يعمل ابنها حاييم حارسًا ليليًا بأحد المصانع، أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل، وهاجر هو وزوجته اليهودية إلى كندا حيث عمل بمحل لغسل وتنظيف الملابس.

انشراح موسى

هل ندمت الجاسوسة انشراح موسى على فعلتها؟

كما توفيت انشراح موسى في 24 نوفمبر 2021 ولم تندم يومًا على تجسسها على بلدها، بل كانت تحلم بالعودة إلى مصر مرة أخرى للعمل كجاسوسة لإسرائيل!.

وقد قدمت الدراما المصرية مسلسلًا يعكس قصة حياتهم الفاسدة، باسم «السقوط في بئر سبع» لعب فيه الفنان الراحل سعيد صالح دور إبراهيم شاهين، بينما لعبت الفنانة إسعاد يونس دور انشراح موسى.

 

جاسوسة النكسة انشراح موسى

التعليقات