كتبت: شروق الشحات
الجاسوس المزدوج، ثعلب المخابرات المصرية، البمبوطي، مطاط البحر الرجل الذي أبكى الموساد الإسرائيلي ونجح في خداعهم، وتسبب في جعل ٦ من ضباط الموساد يطلقون النار على أنفسهم، إنه البطل أحمد محمد عبد الرحمان الهوان، والمعروف فى الدراما المصرية باسم «جمعة الشوان» فى المسلسل الذى جسد شخصيته «دموع فى عيون وقحة» هذه القصة التي نتعلم منها جميعا حب الوطن والإخلاص له.
حياته ومولده
ولد “الشوان” في 6 أغسطس 1939، في إحدى قرى محافظة السويس، تربى في أسرة بسيطة، والتحق بالكتاب لحفظ القرآن، ترك التعليم لمساعدة والده في المعيشة، وعندما كَبُر عمل مع خاله في مقاولات السفن “دهن المراكب” -وكان يُعطيه خاله 20 قرشًا في اليوم- ثم مساعدًا على فلوكة في البحر.
أصبح مديرًا لشركة للسياحة وهو في عمر 21 سنة، وأجاد 9 لغات منها: اليونانية، والإنجليزية، والإيطالية، والفرنسية، الألمانية، وغيرها من اللغات التي اكتسبها من خلال عمله على البواخر، كما عمل مديرًا لشركة «أدمرال العربية» للملاحة في السويس، وكان لديه 3 عربات وحالته المادية جيدة.
العدوان الغاشم 1967
تقلبت الأمور بعد عدوان 1967م علي بلدته بالسويس، وصدرت الأوامر بخروج جميع أهالي السويس من المدينة، وحفاظًا على السويس؛ اجتمع هو ومجموعة من شبابها للأخذ بالثأر من العدو الاسرائيلي، وتطوعوا في جيش الدفاع الشعبي وتدرب بعضهم على الأسلحة والبعض الآخر على العصى، لقلة الأسلحة في ذلك الوقت، وعلى الرغم من ذلك تشرد هو وعائلته وشعب السويس بعد تركهم مدينتهم، ولم يجد ماوي له ولعائلته؛ لعدم قدرته على استئجار شقة.
عقب ذلك قرر السفر إلى اليونان ليسترد مبلغ حوالي 2000 جنيه استرليني، نظير قيامه بتمويل بواخر بالمواد الغذائية لإحدى الشركات هُناك، وعندما وصل لم يجد المدين الذي سيأخذ منه الأموال، لذا ظل في شوراع اليونان 3 أيام إلى أن فقد القدرة على المشي فلم يأكل شيء خلال هذه الفترة.
إسرائيل واستهدافه
لم تكن لديه علاقة بالنواحي السياسية، إلى أن شعر أنه مستهدف من صديق له يسمي “ديموكس”، واكتشف أن صديقه والرجل الذي ذهب إليه لاسترداد ماله عملاء للموساد الإسرائيلي.
سافر إلى القناة وظل على الباخرة -التي تم تعيينه بها- لنهاية الرحلة، وهناك تعرف على محبوبته الإسرائيلية “جوجو” التي أرسلها الموساد لإغراءه، وعندما وصل إلى الميناء تعرف على “جاك” و”إبراهام”.
محاولة إسرائيل تجنيده
أقنعه جاك بأنه مدير عام لإحدى شركات الحديد والصلب، وعرض عليه أن يعمل معهم بمقابل 5000 دولار في الشهر بالإضافة إلى الحوافز الأخرى، وافق “الثعلب” وسافر إلى مطار “ترانك فورد” وظل هناك ثلاثة أيام، وبعدها جاء إليه «إبراهام» وأخبره أنه تم تعيينه لفرع شركة الحديد والصلب بالقاهرة، تفاجئ “الشوان” فلم يخبره جاك أن لديه فرع في القاهرة.
وقبل أن يسافر الشوان إلى القاهرة، أعطوه حقيبة بها 150 ألف دولار، ليشتري سيارة ويفتح مكتب للمواد الغذائية بالقاهرة، وطلبوا منه أن يأتي بمعلومات عن 13 سفينة أجنبية -موجودين ما بين السويس والإسماعيلية بمنطقة البحيرات المرة-.
إخبار الشوان “جمال عبد الناصر” بالذي حدث معه
عندما عاد “الشوان” إلى القاهرة قرر أن يُخبر عبد الناصر بالحقيقة، فتوجه إلى المباحث العامة وطلب مقابلة عبدالناصر، فحبسوه 3 أيام، وفي اليوم الرابع أُخذ إلى “المنشية الكبرى”، وهناك قابل عبد الناصر ومعه الحقيبة التي بها 150الف دولار، وأخبره بما حدث معه.
تجنده مع المخابرات العامه المصرية
تم تحويله إلى جهاز المخابرات العامة المصرية، بكوبري القبة، وهناك التقى “بالريس زكريا” و”الحاج أحمد” ورجال من المخابرات العامة المصرية، وأخبرهم بخطة الموساد الإسرائيلي وماذا يريد منه.
خطه إسرائيل لجمع المعلومات بواسطة الشوان
أخبره الموساد الإسرائيلي أن يتحرك بسيارته، في طريقه إلى القاهرة والسويس في شهر أغسطس ساعة الظهيرة، فهذه الطرق تكون مكتظة بالجنود والضباط، منتظرين سيارة لنقلهم إلى أماكن عملهم المختلفة.
مهمة الشوان
أن يقوم باصطياد أحد من هؤلاء الضباط في سيارته المكيفة، التي تحتوي على المثلجات والسجائر، ويقوم الشوان بشرب السجائر وأكل المثلجات دون أن يدعو الضابط لتناول شيء، فيُحير الضابط ويبدء باستدراجه في الكلام لأخذ المعلومات التي يريدها.
ثم يخبر الضابط بكلام غير صحيح وهمي، فيصحح الضابط له المعلومات دون أن يعلم أنه جاسوس، فمثلا يقول له أنت رايح فين والمسافة قد ايه، وأن قائد الكتيبة كذا اسمه فلان، فيقول له الضابط لا اسمه كذا وهكذا ويجمع المعلومات العسكرية المصرية ويرسلها إلى الموساد الإسرائيلي.
دور المخابرات المصرية
كان “الشوان” يجمع هذه المعلومات ويكتبها بالحبر السري، ويرسلها إلى المخابرات العامة المصرية، فكان ضابط المخابرات يقابله في أماكن مختلفة ليخبره بالمعلومات التي سيرسلها للموساد الإسرائيلي.
وبخدعة من المخابرات العامة المصرية، طُلب منه أن يرسل الرسالة برقم 18، وكان المفترض أن يكون هذا الجواب برقم 2 كما علمه الموساد، ومرة أخرى قبل أن يذهب إلى إسرائيل بفترة قليلة، جاء إليه الضابط أحمد من المخابرات العامة المصرية، وطلب منه أن يرسل جواب أخر للموساد، ويكتب عليه رقم 54 و هذا معناه أنه أرسل 27 جواب، على الرغم من أنه لم يرسل إلا جوابين فقط.
وعندما سافر إلى إيطاليا قابل “سالي” أحد ضباط الموساد الإسرائيلي، فقالوا له: “أنت طول الفترة دي مبعتش إلا جوابين فقط!”، أنكر الثعلب ذلك وقال: “أنا باعت 27 جواب، عايزين تاكلوا عليا 25 جواب، وتحسبوني على جوابين بس”، وأنهار في لحظة فقد كان مدرب على كيفية البكاء في غضون ثواني من المخابرات المصرية.
مقابلة “شيمون بريز”
اتصلت المخابرات الإسرائيلية “بشيمون بريز” -وكان رئيس الموساد في ذلك الوقت-، وأخبروه بما حدث وطلبوا منه أن يحضروا “الشوان” إلى تل أبيب لمقابلته، عندما قابله الشوان قال له: “أنا مش هشتغل معكم، انتم عايزين تحاسبوني على جوابين وتكلوا على 25 جواب”، وكان يبكي وطلب منه أن يعطيه تذكرة إلى اليونان ومكافئته، وكأن شيئا لم يكن.
هنا سأله شيمون بريز: “لماذا تريد السفر إلى اليونان؟”، فقال الشوان: “لو رحت القاهرة هتبلغو عني وهيقتلوني”، ونجح في خداع رئيس الموساد وكسب عاطفته، فقال “شمون”: “احنا هنحسبك على 25 رسالة زي ما بتقول، بس هنلغي موضوع الحبر السري، وأعطاه جهاز إرسال.
رفض الشوان أخذه في البداية بحجة أن صوته مرتفع، والناس كلها تعرف أن معيا جهاز إرسال، وهنا سأله شيمون: “أنت عرفت إزاي إنه بيكون صوته عالي”، بسرعه بديهة وذكاء من الشوان أجاب عليه: “أنا كنت باشتغل قبل كده في المراكب جميع أجهزة الإرسال كان صوتها عالي”.
اخبروه أن الجهاز الذي سيأخذه مختلفًا تمامًا عما يقول، وطلبوا منه أن يُجربه، ثم أحضروا له يهودي عراقي اسمه “مايكل” لتدريبه على الجهاز وكيفيه استخدامه، وكان هذا الجهاز من أحدث الأجهزة في ذلك الوقت فقد كان يُرسل الرسائل في غضون 10 ثواني، وعندما عاد إلى مصر احتفلت المخابرات العامة المصرية بالجهاز، وأطلقت عليه اسم “البطة السمينة”.
من خلال هذا الجهاز ومن خلال تجنيد الإسرائيلية جوجو مع جهاز المخابرات المصرية، أثر رهيب لحساب المخابرات العامة المصرية، حيث استطاعت جوجو تزويد المخابرات العامة المصرية بأسرار الموساد.
بعد هزيمة إسرائيل في حرب 1973، تم إحضار جوجو إلى مطار القاهرة، بواسطة المخابرات العامة المصرية، وأسلمت في الأزهر الشريف، وسميت نفسها بـ«فاطمة الزهراء» واستقرت عاشت في مصر.
بعد هزيمة إسرائيل في حرب 1973 بـ 9 أيام، جاءت إلى الشوان رسالة من الموساد كانت أصغر رسالة يُرسلها الموساد له، مضمونها “أحضر فورًا إلى البيت” -أي اسرائيل-، أخبر “الشوان” المخابرات المصرية بذلك ورفض أن يذهب إلى إسرائيل خوفًا من أن يكون قد كُشف أمره.
فتدخل المشير “علي” و”السادات” وقال له السادات: “ولا يا سويسي، مصر لو طلبت منك تحط رقبتك تحت عجل تروماي تقول لأ، كلنا فداء مصر”، وافق الثعلب على السفر إلى إسرائيل وهو يعلم أنه لن يعود وسوف يتم إعدامه.
قبل سفره كتب رسالة إلى زوجته وأخبرها بالحقيقة، فهي لا تعلم ما يفعله مع مصر وإسرائيل، وأخبرها بما له وما عليه، ثم ذهب إلى الحُسين والسيدة زينب والأهرامات، وبعد ذلك ذهب إلى زوجته ليعطيها الجواب ووصاها ألا تفتح الجواب إلا بعد شهرين.
مقابلته في الموساد
عندما سافر إلى الموساد قابلوه مقابلة الأبطال، وظلوا يبكون وهو يُمثل أنه يبكي وتعاطفوا معه لأنهم كانوا سيجعلوه محافظًا للسويس إذا انتصروا في حرب أكتوبر، ولكن لاحظ ضباط الموساد أن وجه الثعلب كان متوترًا، ولا يبدو كعادته فقال له أنهم سيعطونه جهاز أخر، أحدث من السابق ولكن سيُعرض على جهاز كشف الكذب أولًا.
الثعلب كان متوترًا ولكن المخابرات المصرية دربته، 6 شهور على هذا الجهاز وكيفية النجاة منه، واستطاع اجتياز جهاز كشف الكذب وأعطوه الجهاز، وكرّمته رئيسة الوزراء الإسرائيلية، بعد نجاحه في اجتياز اختبارات جهاز كشف الكذب.
عاد إلى مصر ومعه الجهاز، الذي يرسل الرسالة في غضون 6 ثواني فقط، وعندما كان يجمع المعلومات العسكرية عن طريق مصر والسويس، اصطدمت به سيارتان من القوات المسلحة المصرية بدون قصد، نتج عنها خلع مفصل قدمه؛ فظل يعاني من هذه الإصابة طيلة حياته.
بعد إصابته قرر ألا يعمل جاسوسًا مرة أُخرى، وأخبر المخابرات العامة المصرية بذلك، وأنه قدم لمصر كل ما يستطيع، وهنا انتهت قصة البطل.
أرسلت المخابرات المصرية برقية موجزة إلى إسرائيل جاء فيها: “من المخابرات العامة المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية إننا نشكركم، على إمدادكم لنا بأدق وأخطر أسراركم، التي كشفت لنا المزيد من عملائكم داخليًا وخارجيُا، وإلى اللقاء في معارك ذهبية أُخرى” .
بمجرد وصول الرسالة أطلق ضباط الموساد الذين تولوا تدريب الشوان النار على أنفسهم، وتم الكشف عنه كجاسوس مصري داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي عام 1978.
وفاته
توفي “جمعة الشوان” البطل المصري، بمستشفى وادي النيل بالقاهرة، بعد صراع طويل مع المرض، وأقاموا صلاة الجنازة عليه في اليوم التالي، بعد وفاته الأربعاء الموافق 12 نوفمبر عام 2011، بمسجد الغريب محافظة السويس، عن عمر ناهز 72 عاما.
التعليقات