سحر اللغة العربية.. تعرف كيف أنقذت «إنّ» حياة إنسان في أصل المثل «الحكاية فيها إنّ»

كثيرة هي الأمثال التي تتردد على أفواهنا منذ القدم، نوردها في الأحداث والمواقف التي تناسبها بطبيعة الحال، وتكون خير معين على التنبه بأمر ما بإيجاز وسهولة، ومن هذه الأمثال مثل “الحكاية فيها إنّ” الذي ورد في قاموس الأمثال الشعبية وكان يومًا ما سببًا في إنقاذ أحدهم من الموت، فما قصة هذا المثل؟ وكيف أدى التلاعب باللغة العربية تنفيذ خطة لم يتمكن أحد من اكتشافها؟

الحكاية فيها إنّ.. بدأت من سوء النية والشك

يتسأل البعض عن أصل مثل “الحكاية فيها إنّ” وعن الموقف الذي قيلت به، فكل مثل له حكاية تقصها الألسنة لتجعله باقيًا على مر الزمان.

ويتداول مثل الحكاية فيها إن في المواقف التي يكون بها الموضوع غامضًا أو مشكوك بأمره؛ لتدل على سوء النية والشك.

ذكاء وفطنة.. وسحر عربي أنجى من الموت

تعود قصة هذا المثل إلى حاكم حلب “محمود بن صالح بن مرداس”، الذي كانت تربطه صداقة قوية بالأمير “على بن منقذ”، ولكن لم تدم هذه الصداقة فسرعان ما اشتعل فتيل الفتنة بينهما؛ فقرر حاكم حلب التخلص من الأمير، ولكن فطن الأمير لذلك؛ فأسرع بالهرب من حلب خوفًا من بطش الحاكم.

لم يرض الحاكم بهروب الأمير واستشاط غضبًا؛ لذا حاول أن يعيده بأي حال من الأحوال حتى يقتص منه ويطفئ ثأرته، فطلب من كاتبه أن يرسل رسالة إلى الأمير يخبره فيها بالعفو والسماح وأنه ينتظر حضوره بفارغ الصبر.

شعر الكاتب بالخديعة -والذي كان صديقًا للأمير- ولم يرض أن يلحق الأذى بصديقه، وفي هذا العصر كان العرب يعينون من الكتّاب من له من الذكاء والدهاء، فاستغل الكاتب ذكائه وحنكته باللغة العربية الفصحى وأسرارها حتى يمنع وقوع جريمة، -كان سببها محاولة إيقاع حاشية الحاكم بين الطرفين- وتمكن الكاتب من تنفيذ خطته بجملة واحدة.

فما كان من الكاتب إلا أن كتب رسالة عادية كما أمره الحاكم يطلب من الأمير العودة، إلا أنه ختم رسالته بكلمة “إنّ شاء الله تعالى” ووضع علامة التشديد على النون بدل السكون.

لم يكن على بن منقذ أقل ذكاء من صديقه الكاتب الذي بعث له رسالة مشفرة، وفطن إلى أن صديقه يحذره من القدوم بتشديد “إنّ” وكأنه يذكره بقول الله -تعالى-: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ”.

ثم بعث الأمير رده في رسالة عادية كما كان الأمر يشكر بها الملك على فضله ورحابة صدره ويطمئنه على ثقته الشديدة به، ولكنه ختمها بعبارة “إنّا الخادم المقر بالإنعام” فقام بتشديد النون ووضع الهمزة أسفل الألف في “أنا”.

قرأ كاتب الحاكم الرد على الرسالة أمام حاكم حلب الذي اطمأن من ولاء ابن المنقذ وطاعته له، وفهم الكاتب أن الأمير قد تنبه لتحذيره بعبارته الأخيرة والذي قصد بها قوله تعالى: “إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ”، وعلم أن الأمير لن يعود إلى حلب في ظل حكم هذا الرجل.

ومن هنا صارت الأجيال تتداول هذه الحادثة في الموضوع ذي الريبة أو الشك، وتحكي كيف أنقذت “إنّ” حياة إنسان.

التعليقات