الزمان: عام الفيل
المكان: مكة المكرمة
عام الفيل اُختلف فيه فبعضهم قال 570 والبعض الآخر رجح أنه 571 ميلادي.
لكن اُتفق على أنه العام الذي ولد به خير المرسلين، أشرف الناس نسبًا وأعظمهم مكانةً وأكثرهم فضلًا.
وأشتهر هذا العام بقصة أبرهة الحبشي، ذلك الملك الذي ظن أنه ملك الكون بأسره، وأراد تغيير قبلة العالم أجمع تحقيقًا لمطامعه الخاصة.
كما حاول هدم الكعبة وأحضر الحيوانات الضخمة من شتى بقاع الأرض وسلح جنده لهذه المهمة.
ولكن الله رد كيد الكائدين ودحرهم وأبطل شرورهم، إيذانًا بمجيء خير المرسلين، وبدء صفحة الأسلام، ذلك الدين السمح الذي ملأ القلوب بالسكينة والأطمئنان.
الكعبة المشرفة.. قبلة الموحدين
كانت البشرية على موعد عظيم غير وجه التاريخ، يوم أن حاول هذا الشقي أبرهة الحبشي أن يهدم قبلة العالم.
فالكعبة كانت قبلة للعرب والموحدين -في ذلك الوقت- ممن كانوا على الحنيفية دين سيدنا إبراهيم ودين سيدنا إسماعيل -عليهم السلام-، يتهافت الناس عليها ليحجوا بها ويزوروها، وكانت قبيلة قريش في ذلك الزمان المسئولة عن الإشراف عليها.
كنيسة القُليس.. عجيبة لم يخطها إنسان
وعن طريق التجارة مع القبائل الوافدة لزيارة الكعبة؛ حققت قبيلة قريش الكثير من الربح والرواج حتى وصل صداهم إلى ذلك الملك المتباهي أبرهة الأشرم ملك اليمن، الذي سرعان ما شعر بالغيرة والحقد وطمع بعد ذلك في هذه المكاسب الكبيرة.
لذلك قرر أن يبني كنيسة أسماها القُليس في صنعاء وزينها بأحسن الزينات حتى أصبحت من أعجب ما في الأرض في زمانه؛ ليحج إليها الناس ويستفيد هو من الربح والتجارة ويقوي سطوته.
وبعد الانتهاء من البناء أخذ ينتظر الناس في موسم الحج ولكن لا جدوى، لم يخط أحد داخل هذا البناء العجيب.
التفكير في هدم الكعبة وتسليح الجند.. أحداث عام الفيل
استشاط أبرهة غاضبًا خاصة بعد أن عرف أن أحد العرب جاء إلى كنيسته ولوثها بالقاذورات واستهزئ بها.
أضف لذلك أنه رغب أن يكون بيته هو القبلة الوحيدة على الأرض ليحقق مطامعه المزعومة.
بعد أن قرر هدم الكعبة وأعد جيشًا من الأفيال الضخمة لكي يستفيد من حجمها الكبير وبدأ مسيرته نحو مكة المكرمة.
عبد المطلب.. مثال في الثبات وقوة العزيمة
وفى أثناء المسير وجد جنود أبرهة إبل ترعى بالجوار فقاموا بسرقتها واكملوا طريقهم حتى وصلوا إلى مشارف مكة.
وعلى الفور فزعت كل القبائل التى تسكن مكة من قوة وضخامة جيش أبرهة، ولم يستطيعوا أن يمنعوه هو وجنوده الذين سلبوا ونهبوا كل ما وجدوه في طريقهم.
فلجاءت القبائل لقبيلة قريش وخاصة إلى زعيمهم عبد المطلب جد رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وكان عبد المطلب ابن بني هاشم من أحد أشراف مكة الذي جلس مع أبرهة وتحدث معه.
فقال له أبرهة بأنه لم يأت ليؤذي أحد وأنه يريد أن يهدم الكعبة وسيعود على الفور إلى بلده اليمن، بشرط ألا يعترض أحد طريقه.
ولكن عبد المطلب لم يجاري أبرهة في هذا الحديث الذي عُرفت نتيجته قبل أن تٌنطق بها.
بل اكتفى أن يطلب منه رد الأبل التي سرقها جنوده واستولوا عليها، فنظر له أبرهة متعجبًا وقال له:
“ظننتك جئت لتمنعني من هدم الكعبة وهأنت ذا تطالبني أن أرد لك أبلك فقط! ما أمرك العجيب هذا تترك بيتًا هو دينك ودين آباؤك وتكلمني في الأبل”.
فرد عليه عبد المطلب قائلًا:
“أما الإبل فأنا ربها وأما الكعبة فلها رب يحميها”.
ثم دعا عبد المطلب الله أن يحمي الكعبة ويحفظها بقدرته من بطش أبرهة وجنوده.
عام الفيل.. برك الفيل.. وأتت الطير أبابيل
وبعدها صعد على مكانٍ عالٍ وأخذ ينادي الناس ويطلب منهم أن يحتموا في بيوتهم أو يلجأوا إلى الجبال وألا يعترضوا جيش أبرهة.
وعلى الفور سارع الناس بتنفيذ كلام عبد المطلب، وهم أبرهة بجنوده إلى الكعبة محاولين هدمها.
في تلك اللحظة توقفت الأفيال وأبت أن تبرح مكانها.
فحاول جنود أبرهة أن يحركوها بعد ذلك أخذوا بضربها، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل وكأن الله أمرها بألا تتحرك من مكانها.
وفي خضم هذا الصراع امتلأت السماء بطيور كثيرة حجبت نور الشمس عن الأرض لا يعلم أحد من أين أتت.
وكان كل طير منهم يحمل ثلاث حجارات مشتعلة من الجمر، واحدة في منقاره واثنتان في قدميه.
ورمى تلك الحجارة على أبرهة وجنوده حتى هلكوا جميعًا.
ولم يستطع أحد أن يمس الكعبة المشرفة بسوء لأن قدرة الله أعظم من كل شيء.
وقد ذُكرت أحداث هذه القصة في سورة الفيل قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ،*فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ”.
عام الفيل حدث مؤرخ
اكتسب عام الفيل أهميةً دينية وتاريخيةً عظيمة فأما أهميته التاريخية، فقد اكتسبها من كون العرب قديمًا اعتبرته زمنًا للتقويم.
بمعنى أن العرب كانت تؤرخ للأحداث فتجعله زمنًا لتأريخها.
فكانت العرب تقول مثلًا حدث ذاك الشيء بعد عام الفيل بعام أو بعده بعامين أو قبله بعام أو اثنين، وسبب هذا أن التقويم الهجري لم يكن نشأ بعد.
ولم يكن أهل العربية يعرفون التقويم الميلادي ليؤرخوا به، وكان التأريخ بالأحداث مشتهرًا في ذاك العهد.
وأما سبب اكتساب عام الفيل أهمية من الناحية الدينية، فذاك كان لأنه في هذا العام ولد النبي -صلى الله عليه وسلّم-.
وهذا أكسبه أهمية كبيرة؛ بسبب أن للنبي -صلى الله عليه وسلم- من العظمة في نفوس المسلمين بل وفي نفوس غيرهم الشيء الكثير.
التعليقات