منها الأغريق والعرب.. كيف اهتمت 7 أمم على مر العصور بالصحة النفسية
عرب غيروا مسار الحياة

الزمان: قبل 7000 عام

المكان: مصر الفرعونية

الصحة النفسية.. أصبح مصطلح الصحة النفسية مصطلحًا شائعًا لدى الكثيرين في العصر الحديث.

وهذا ما يجعلنا نتسائل أحيانًا عن حال البشر في العصور القديمة.

وهل كانوا على علم بالاضراب النفسي، وكيف يصل المرء إلى صحته النفسية؟

وإن كان هذا صحيحًا فكيف تطور المصطلح عبر الزمن ليصل إلينا بشكله الحالي.

الأصل فرعوني.. أول من اكتشفوا العلاج النفسي

يعتبر عصر الفراعنة من أوائل العصور التي خاضت تجربة الاضطراب النفسي.

واتخذت الاجراءات اللازمة للتأقلم معها وخلق حالة من التوازن النفسي.

فحسب ما ذكره خالد يوسف الحناوي، متخصص وباحث في علم المصريات لـ«بوابة العالم الأوسط» فقد تجلى اهتمام المصريين بالصحة النفسية وكانوا أول من عرفوا العلاج الذهني والنفسي من خلال الجراحة أو الأدوية أو الأعشاب أو الموسيقى أو الأحجار الكريمة.

خالد يوسف الحناوي متخصص وباحث في علم المصريات

وأكد خالد يوسف الحناوي أن الفراعنة اعتقدوا أن الاصابة بالأمراض إشارة على غضب الآلهة.

لذلك كانوا يقومون بالنوم في المعابد لتحصين أنفسهم من المرض وذلك كما جاء في بردية ابريس.

الصحة النفسية لدى الأغريق.. العقل السليم في الجسم السليم

أوضحت أميمة عبد الله مصطفى، دكتور الصحة النفسية والإرشاد النفسي جامعة عين شمس لـ«بوابة العالم الأوسط» أنه بعد مُضي عصر الفراعنة، استمر الاعتقاد بالأرواح والمعجزات في اليونان القديمة.

حين ظنوا أن الشفاء من المرض النفسي يستلزم نوم المريض بهيكل خاص؛ حيث يتم شفاؤه بمعجزة تُحل في الليل.

أميمة عبد الله مصطفى دكتور الصحة النفسية والإرشاد النفسي

إلا أنه مع الوقت بدأت الدراسة العلمية للاضطرابات النفسية بشكل واسع على يد أبقراط.

ومن بعده جالينيوس اللذان اعتبرا أن الأمراض النفسية لا تنشأ عن الأرواح الشريرة، ضاربين بعرض الحائط المسلمات القديمة.

وأضافت: “تبنى الأغريق مبدأ “العقل السليم في الجسم السليم”، واهتموا بكلا من الصحة الجسدية والذهنية، كما ينسب إليهم الفضل في تحديد المرض العقلي كحالة طبية وليس علامة على المس الشيطاني”.

الكارما.. سبب المرض النفسي لدى شعب آسيا الوسطى

وفي مكان آخر ببلاد آسيا الوسطى، ذكر خالد يوسف الحناوي أنه تم العثور على نصوص صينية منذ 3000 عام.

تشير إلى تعامل الصينيون مع الأمراض النفسية والعصبية مثل: الذهان والهوس، في الوقت الذي آمن الهنود بالكارما.

ونسبوا المرض العقلي إلى أخطاء المرضى في حياتهم الحالية أو السابقة.

الصحة النفسية

عرب غيروا مسار الحياة

يعتبر الإسلام مفترق الطرق للحضارات القديمة، فهو الذي استطاع بقيمه الأخلاقية السامية تحويل العرب من عبادة الأوثان إلى قوم يدعون إلى طهارة النفس وسلامة الحياة.

1- إقامة بيمارستان لعلاج المرضى

في ذلك السياق ذكرت أميمة عبد الله مصطفى أن عملية تطور الصحة النفسية عبر الزمن تشعبت إلى أن وصلت إلى العرب في العصور الوسطى، بين القرنين السابع والسادس عشر الميلادي.

حين أدرك الأطباء العرب أهمية الحالة النفسية للإنسان وأثرها على وظائف جسمه المختلفة.

فمثلًا حالات الانقباض والفرح والهم والغم والخجل، وأنها تؤثر تأثيرًا مباشرًا في سلوك الإنسان وقد تؤدي به إلى الجنون وفقدان العقل.

وأكملت: “خصص العرب بيمارستان -تعني مستشفى بالفارسي- لمعالجة الأمراض النفسية والعقلية وفيها يتلقى المريض معاملة كريمة تليق به كإنسان، وعناية طبية على يد أمهر الأطباء في العلاج النفسي”.

الصحة النفسية

2- اكتشاف علاج المالنخوليا والصرع

أشارت أميمة مصطفى إلى أن أبو بكر الرازي استطاع علاج بعض الأمراض التي اعتبرها سابقوه مستحيلة الشفاء؛ مثل المالنخوليا والصرع.

3- التعرف على الأمراض الوظيفية

وتابعت أميمة عبد الله مصطفى أن ابن سينا استطاع التعرف على ما يُسمى اليوم بالأمراض الوظيفية، وهي أمراض تحدث نتيجة لأسـباب نفسية مثل الاكتئاب والأرق وجنون العظمة.

يقول جورج مورا واصفًا مرحلة ازدهار الطب النفسي عند العرب:

“كان موقف العرب أكثر إنسانية تجاه المرضى العقليين، وقد بدا ذلك واضحًا في العلاج المستنير الذي يتلقاه المرضى النفسانيون بتلك المراكز العلاجية، المحاطة بالنوافير الساحرة والحدائق الغنَّاء، مع تقديم وجبات خاصة وحمامات وأدوية وعطور كل هذا في جو صاف يساعد على الاسترخاء”.

4- بناء التكايا لعلاج المرضى

أشار خالد يوسف الحناوي إلى أنه في عهد الدولة السلجوقية والدولة العثمانية، تم بناء العديد من المراكز العلاجية حول المساجد، وكان يطلق عليها اسم “التكايا”، واستمرت لعدة قرون.

وتابع: “كانت مدينة القيروان ينبوع العلم ازدهرت بها مدرسة طبية كان من أهم روادها إسحاق بن عمران، الذي قام بتأليف 11 مخطوطة لم يصل لنا منها إلا كتابه الماليخونيا”.

كيف تصل للصحة النفسية عند العرب؟

وبيّن كتاب الماليخونيا لإسحاق بن عمران مختلف الوسائل العلاجية التي اتبعها العرب منها:

1- العلاج بالكلام الجميل والاعتناء بالمريض من خلال الألفاظ الجميلة وبالحيل المنطقية والمواساة.

والتنزه في الهواء الطلق والغابات والبساتين الزاهرة من أجل الترويح عن المريض وإزالة خوفه ورهبته.

2- العلاج بالتغذية والحمية فقد تم تصنيف العديد من الأطعمة من حيث الكيف والكم لتكون دائمًا لذيذة صالحة.

3- العلاج بالاستحمام والمراهم، مثل زيت الكتان واللوز فيدلك بها الرأس والجسد.

4- العلاج بالأدوية والعقاقير، لكل صنف من أصناف المرض.

العصور الوسطى عودة للقديم وتخلف حضاري

حدثت النكسة بالعصور الوسطى في أوروبا، حين استيقظ الفكر الخرافي من جديد وانتشرت الشعوذة.

وعاد مفهوم تلبس الأرواح الشريرة لجسم المريض.

ويقول خالد يوسف الحناوي في هذا: “شهدت العصور الوسطى في أوروبا تخلفًا حضاريًا، انعكس ذلك في النظر إلى المرضى النفسيين وأساليب علاجهم، حيث كانوا يتعرضون للقسوة الشديدة عن طريق الحرق والغرق والضرب بقسوة، والعزل في أماكن مظلمة ظنًا بأنهم ممسوسين بأرواح شريرة”.

الصحة النفسية

وعقبت أميمة عبد الله مصطفى على ذلك بقولها: “تعتبر العصور الوسطى العصور المظلمة بالنسبة للعلاج النفسي، فقد عاد العلاج إلى سابق عهده، حيث قام رجال الدين بعلاج المرضى باستخدام بعض الأعشاب ومياه الآبار المباركة والتعويذات والأناشيد بغرض طرد الشياطين والجان، ولم يخل ذلك من ربط المريض بالسلاسل وضربه بالسياط”.

الصحة النفسية في سماء العصر الحديث

يقول لطفي الشربيني في كتابه الاكتئاب المرض والعلاج أنه بعد مرور مئات السنين حدث تطور بأوروبا وأمريكا شمل وسائل العلاج النفسية وكان منها:

1- المصحات العقلية

ظهرت فكرة المصحات العقلية والمستشفيات المفتوحة كبديل للأماكن المغلقة التي كان يوضع بها المرضى النفسيين.

2- المستشفيات النهارية

ظهرت فكرة المستشفيات النهارية التي يمضي بها المريض وقته أثناء النهار، يتناول الطعام والعلاج ثم يعود إلى منزله ليلًا.

3- المستعمرات المتسعة

بدأت فكرة المستعمرات المتسعة التي يعيش بها المرضى وسط الأسوياء، عن طريق إلحاق بعض المرضى ليعيشوا مع الأسر التي تقبل رعايتهم، وتقدم لهم المعونة للتخلص من حالتهم المرضية.

4- ظهور النظريات الحديثة

مع بداية القرن الماضي ظهرت النظريات الحديثة التي تحاول تفسير أسباب الأمراض النفسية.

وتم للمرة الأولى تصنيفها بأسلوب علمي يخضع للمراجعة المستمرة.

وكان العالم “کریلن” أول من فصل بين حالات الاكتئاب والهوس ووصف مرض الفصام.

ثم جاء عالم النفس الشهير “فرويد” بنظرياته التي أحدثت ثورة كبيرة في مفاهيم الأمراض النفسية.

كما أدخل بعض المفاهيم الجديدة مثل تكوين الشخصية من “الأنا” الذي يمثل الواقع.

و”الهو” الذي يمثل الغرائز ، و” الأنا الأعلى ” الذي يمثل الضمير.

وتحدث عن مفهوم الصراع بين هذه المكونات في حالة الصحة والمرض.

5- يوم عالمي للصحة النفسية

مع دوران عجلة التطور أصبح هناك جمعية عالمية للطب النفسي.

كما تم تدشين يوم 10 أكتوبر يومًا عالميًا للصحة النفسية، للأهمية العظيمة التي يجب أن يتمتع بها هذا الجانب.

الصحة النفسية

لا تجعلوني من الحياة خجولًا

وفي ختام رحلتنا نقول أن الطب النفسي قد أصبح له مكانة كبيرة.

لكن على الرغم من تعدد المراحل التي مر بها الطب النفسي في تطوره، ما زالت النظرة الاجتماعية إلى فكرة العلاج النفسي ترتبط بالعيب والشعور بالنقص لقصد “طبيب أمراض عقلية”، والتصنيف الفوري للشخص الذي يقصده بأنه “مجنون”.

هذا الأمر جعل الكثيرين يترددون في الإفصاح عن مرضهم، الأمر الذي يترتب عليه حدوث نتائج لا تُحمد عقباها.

ومن هنا نصحت أميمة عبد الله مصطفى بضرورة إحداث نوع من التفهم المجتمعي للأمراض النفسية، وزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وأنها على نفس قدر أهمية الصحة الجسدية.. متابعةً: “لابد من البدء فورًا بجيل الأطفال بالحفاظ على صحتهم النفسية، وتقوية وتعزيز قدرات كل طفل، وتربيتهم على تقبل الاختلاف، لانشاء جيل سوي لا يصدر الأحكام على المصابين، ويساعدهم متى احتاجوا إليه”.

التعليقات