
هل علينا عيد الفطر بأجوائه المبهجة، وأكلاته التي نشأنا عليها منذ أن كنا صغارًا.
لكن هل تعلم أن هناك أصولًا تاريخية لبعض تلك الأكلات، وفوائد مهمة لبعضٍ منها، فدعونا نلقِ نظرة .
1ـ كعك العيد
الكعك في العصور القديمة
1ـ عند الفراعنة “ يقدم كقربان”
يعتبر الاحتفال بالكعك في الأعياد تقليدًا فرعونيًا، حيث كلمة “كعك” تأتي من كلمة “كحك” المصرية القديمة.
وتحمل الكعكة المصرية تاريخًا عريقًا وتُعتبر رمزًا للمجتمع المصري في مصر القديمة.
فقد كانت زوجات الملوك يقدمن الكعك كقربان للكهنة في مناسبات مهمة.
وكان الهدف من تقديم هذا القربان كان تأكيد الايمان بقوة الاله رع، وجلب رضاه وتجنب سخطه.
كما كان يقدم كجزء من القرابين المقدمة للموتى والتي تدفن معهم، لجلب رضا الالهة، وتوفير الضروريات للميت لضمان بقائه.
ومن الأدلة الأثرية على ذلك، صور الكعك المنقوشة على جدران مقبرة الوزير“رخمي – رع” من الأسرة الثامنة عشرة.
كما كانوا يشكلون الكحك المخصص لزيارة المقابر في الأعياد، أو الذي يوضع مع الموتى في مقابرهم، على شكل قرص يحاكي تميمة الإله «ست»، أو «عقدة إيزيس».
التي عرفت بمفتاح الحياة، وهى من التمائم السحرية التي اعتقدوا بأنها تفتح للميت أبواب الجنة.

2ـ العصران اليوناني والروماني
استمرت صناعة الكعك عبر التاريخ بين المصريين، من العصور اليونانية والرومانية، وصولًا إلى العصر البيزنطي.
كعك العيد في العصور الإسلامية
ظلت عادة استخدام الكعك أثناء الاحتفالات موجودة في مصر حتى بعد الفتح الإسلامي، ومع ظهور دويلات مصرية مستقلة عن الخلافة العباسية، مثل:”الخلافة الطولونية، والخلافة الاخشيدية”.
وقد استمرت هذه العادة عند الحكام المسلمين، وأصبحث شكلًا من أشكال الدعاية الساسية، حيث أن خلفاء الإمارتين كانوا يحتاجون لولاء الشعب؛ حتى يضمنوا بقاء حكمهم.
الدولة الطولونية.. “كل وأشكر”
أظهرت الدولة الطولونية (868-905م) اهتماماً بمظاهر الاحتفال بعيد الفطر وما يصنع فيه من كعك وحلوى.
فقد كانوا يهتمون بشكل كبير بصناعة الكعك والحلوى التي ارتبطت بهذا العيد فخصصوا لصناعة الكعك قوالب مخصوصة لصناعته نقش فيها عبارة “كل واشكر”.
الدولة الإخشيدية .. كعك بالذهب
أما في عهد الدولة الإخشيدية ( 935-969 م ) فنذكر هذه القصة النادرة المتداولة عن كعك الوزير “أبو بكر المادراني”.
وقد وصفه المؤرخ المقريزي بأنه “حظي بمحبة الملك وطموح الحكم”، واشتهر بثراءه الوفير وكرمه وأعمال الخير والإحسان.
كما ذكر عنه المقريزي أنه كان يصنع نوعًا خاصًا من الكعك المحشو بالسكر ويطلق عليه اسم “أفطن له”.
وكانت العادة عندهم أنهم يملأون الكحك بالفستق والسكر والمسك، ثم يستبدلون ذلك بقطع من الذهب في معظم الكحك.
وعندما يكون حظ بعض الضيوف يجدون قطعة كحكة محشوة بالذهب، يقوم أستاذ السماط بتحذيرهم قبل تناولها قائلاً: “انتبه”.
وبمجرد أن يشير أستاذ السماط إلى كحكة في طبق بقوله “انتبه”، يعرف الضيوف أن جميع الأطباق المشابهة تحتوي على “الكحك الذهبي”، فيبدأون في التنافس عليه.
فيصبح الحفل مليئًا بالفرح والضحك، حيث يخرج الضيوف واحداً تلو الآخر من أفواههم بقطع الذهب، يتناولون الكحك ويضعون الذهب في جيوبهم.
وكان بعض الضيوف يغادرون الحفل بكمية من الذهب تكفيهم، بينما يقوم المادراني بتقديم الكحك المحشو بالذهب في أطباق معروفة للضيوف.
العصر الفاطمي.. ” تسلم ايدك يا حافظة ، وكل وأشكر”
تناول الفاطميون الاحتفالات كوسيلة للدعاية والإعلام لإظهار شرعية حكمهم.
كما نظموا حملات إعلامية سنوية بمناسبة العيد باستخدام كعك العيد، حيث أنشأوا “دار الفطرة” لإعداد الكعك والحلوى وتوزيعها على المحتاجين، كان الخليفة يشرف عليها بنفسه.
كما حرصت الدولة الفاطمية على تحضير سماط كبير(مائدة ) في ليلة العيد، بلغ طولها 1350 متراً واحتوت على 60 صنفاً من الكعك وحلوى العيد.
وبعد أن يصلي الخليفة الفجر، يقف في شباك قصره ويأمر بدخول الناس عامة، لتناول الطعام وحمله معهم إلى ديارهم.
وهذه هي الحملة الإعلامية جعلت من الكعك وسيلة دعائية مهمة وفعالة لصالح الدولة الفاطمية.
كما كان ينقش على الكعك حينها عبارات عديدة منها: “كل وأشكر، وتسلم ايدك يا حافظة”، نسبةً إلى أشهر صانعة للكعك في ذلك العصر.
وهذه العبارات تعد بمثابة «علامة تجارية في هذا العصر»، لكن هذا الكعك كان مقتصرًا على صفوة ضيوف الخليفة فقط.
وكان الفاطميون يجيدون أيضًا صنع الكعك والبيتي فور، وحلويات العيد المتنوعة كالكوكيز والمعمور.
وهذه هي المعجنات التي تم تناقلها حتى يومنا هذا كشكل من أشكال الاحتفال بالعيد.
العصر العثماني.. “توزيع الكعك على الفقراء”
استمرت عادة صناعة الكعك وحلوى العيد في العصر العثمانى (1261-1517م)، حيث اهتم السلاطين بتوزيع الكعك فى العيد على المتصوفين والتكيات والخانقات، المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين.
وبحسب أقوال الباحث الأثري سامح الزهار فإنه لا زال هذا التراث العربى يعبر عن حاله حتى الآن، خاصةً بمصر وبلاد الشام بحكم الارتباط الجغرافي والتاريخي
الكعك في العصر الحديث
أصبحت صناعة الكعك في العصر الحديث عادة شعبية أصيلة.
ففي الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان تضج المناطق الشعبية بحركة النساء الآتي يحملن ألواح الكعك، بينما يذهبن لتسويته فيما يُعرف بالأفران البلدي.
لكن أصبحت هذه العادة تتلاشى في القرن العشرين؛ بسبب إنتاجه في أماكن مخصصة ويُباع في الأسواق التجاري .
2ـ تناول الفسيخ
يُعتبر الفرعون المصري أول من تناول الفسيخ.
فقد انتشرت هذه العادة بين الفراعنة بتناوله قبل الشروع في بناء الأهرامات، إيمانًا منهم بأنه يمنحهم القوة والحيوية.
وقد لا يعرف البعض سبب تناول المصريين الفسيخ في أيام عيد الفطر، حيث يقال إنه خلال شهر كامل يتناول الكثيرون اللحوم بمختلف أنواعها بالإضافة إلى الأطعمة الدسمة.
لذلك يُفضل الكثيرون تناول الأسماك المملحة في هذه الفترة، حيث تفقد الجسم كمية كبيرة من الماء خلال ساعات الصيام الطويلة، ومن المهم تعويض هذا النقص بين وجبتي الإفطار والسحور.
ولهذا السبب يفضل تناول الفسيخ والرنجة في أيام العيد، لشرب كميات كبيرة من الماء لتعويض النقص.
بالإضافة إلى تهيئة جدار المعدة لقبول المزيد من الطعام بعد أن تعودت على الصيام والامتناع عن الأطعمة والمشروبات لمدة شهر.
3ـ البسكويت
عرف المصريون البسكويت حديثا عن طريق الأجانب الذين أتوا أليها وخاصه الايطاليين.
4 ـ تناول الترمس.. عادة ذات فوائد عديدة
يعد الترمس جزءً من تقاليد المصريين في عيد الفطر، حيث يعد تناوله عادة صحية وجمالية، نظرًا لفوائده الغذائية الهامة.
ويؤكد خبراء التغذية على أهمية “الترمس” كعضو من عائلة البقوليات، حيث يحتوي على معادن وفيتامينات وألياف غذائية.
كما يتميز بانخفاض السعرات الحرارية وعدم احتوائه على الجلوتين.
فوائد الترمس الغذائية
تحدث استشاري التغذية والسمنة الدكتور عمرو فرج في لقاء صحفي لقناة سكاي نيوز العربية عن بعض فوائد الترمس ومن بينها فائدته لمرضى السكر.
وذلك لاحتوائه على الألياف المفيدة، التي تخفض مستوى الكولسترول في الدم، وتزيد من امتصاص الجلوكوز في الدم، وتخفض مستوى السكر في الدم.
وأضاف أن الترمس مهم جداً في الحفاظ على صحة الأعصاب والقلب.
كما أنه يحتوي على الأرجينين (حمض أميني يساعد في عملية خفض مستويات السكر والكوليسترول في الدم).
وبالإضافة إلى خصائصه المدرة للبول، فهو مفيد للأوعية الدموية ويمنع تصلب الشرايين ويساعد على إزالة الأملاح الموجودة.
فهو لا يعالج الإمساك فحسب، بل يساعد أيضًا على حماية الجهاز الهضمي في الجسم من مشاكل الجهاز الهضمي وتشنجات المعدة.
كما أكد خبراء التغذية أيضًا أنه بالإضافة إلى فوائد الترمس في إنقاص الوزن، فإن تناوله يقوي جهاز المناعة أيضاً، لأنه يحتوي أيضاً على الزنك الذي يعزز عملية الشفاء في الجسم. وذلك لأنه غني بالكالسيوم والفوسفور، بالإضافة إلى البروتين والألياف الغذائية.
مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في مصر خلال حكم الدويلات الإسلامية
تتضمن مظاهر الاحتفال في مصر تاريخيًا شراء الملابس الجديدة وتوزيع الحلوى وغيرها، مع تغير العادات عبر العصور الفاطمية والعثمانية والمملوكية.
وفقًا لما جاء في كتاب موسوعة تاريخ مصر عبر العصور: تاريخ مصر الإسلامية، فيها بنا نتعرف عليها:
1ـ في العصر الفاطمي “
في أيام الدولة الفاطمية، يُعد توزيع الحلوى على موظفي الدولة، وإقامة موائد الطعام الضخمة في “دار الفطرة ” من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك.
وهي مكان مخصص خصيصًا لإعداد هذه الوليمة، وكان الخليفة العزيز بالله أول من أنشأ هذا المفهوم.
2ـ العصر العثماني
وفي عهد الدولة العثمانية، كانت أبرز مظاهر احتفالات عيد الفطر المبارك تصاعد موكب الأمراء والقضاة نحو القلعة، ثم انتقالهم إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون لأداء صلاة العيد، وتقديم التحية للوالي.
وفي اليوم التالي، يتوجه الوالي إلى ميدان الرميلة “القلعة”، حيث يُزين المكان بأفخم الوسائد والأغطية من قبل الوزراء.
وكان الوزير يشارك في الحفل بحضور كبار الضباط، وتقديم القهوة والحلوى والشربات.
كما كانت ترش الأرض بالمسك والبخور ليملأ المكان بعبقه الفواح، ثم يأمر الوالي بإطلاق سراح بعض المساجين، وتنطلق المواكب الاحتفالية في جميع أنحاء البلاد.
3ـ العصر المملوكي
مع ظهور هلال العيد تحت إشراف القاضي المعين الذي يسير في موكبه الرسمي برفقة حملة الفوانيس، وبعد صلاة العيد التي يقوم بها السلطان في ساحة القلعة، ويتبعه موكبه الضخم المكون من كبار حاشيته، حيث يتجولون في الأحياء المجاورة.
وخلال هذا الوقت، يوزع الملابس الجديدة على الأطفال والرجال المترقبين للموكب بحماس كل عام.
ويُختم العرض بتقديم رداءه لأحد أعوانه؛ وهي عادة قديمة تعود إلى عصور العباسيين والفاطميين.
وكانت الحياة الاجتماعية في العصر المملوكي مميزة بتنوع الاحتفالات الدينية والوطنية، وبالتفاني في احتفالاتها.
وفي الأعياد ذات الطابع الديني، كان الناس يتبادلون التهاني ويقيمون الولائم، ويتصدقون على المحتاجين، ويبديون الفرح بشكل كبير.
وفي النهاية يمكننا القول أن أجواء الاحتفال بالعيد تعطي بهجة في نفوس المصريين منذ القدم.
مما يجعل هذا اليوم يومًا مميزًا في ذاكرة كل مسلم؛ بفضل شوقنا لقدومه، وإنشراح قلوبنا ونحن نجهز ترتيبات ذلك اليوم.
التعليقات