خلق أسطورة الرعب.. في ذكرى ميلاده تعرف على «برام ستوكر» كاتب رواية «دراكولا»

كتبت: مريم محمد إسماعيل

من منا لم يصبه الهلع لمجرد ذكر «دراكولا» أيقونة الرعب ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، لكن هل سمع أحد يومًا عن «برام ستوكر»، أو قاده الفضول ليعرف من أخرج لنا «دراكولا»، إنه من أحيا لنا شخصية سُطرت على الورق، بينما فارق الحياة دون أن نعلم عنه شيء، وفي ذكرى ميلاده نستعرض أهم المحطات التي مر بهذا هذا الكاتب المبدع، وصولًا لمصاص الدماء الذي ولد من خياله الخصب.

 لم يكن يقوى على الوقوف.. لكنه خلق شخصية أوقفت القلوب

ولد الروائي وكاتب القصص القصيرة الأيرلندي برام ستوكر، في 8 نوفمبر عام 1847 في كل كلونتارف في الجزء الشمالي من دبلن بأيرلندا، وكان هذا الكاتب الفذ ضعيفًا منذ نشأته، وتوقعت عائلته المكونة من والديه وأخوته الستة وفاته في أي لحظة، حيث كان يعاني من مرض خطير وغير معروف، جعله يتأخر في المشي والكلام حتى سن السابعة.

 من قصص الطفولة خلق دراكولا

كانت والدة برام في ذلك الوقت -أثناء كونه طريح الفراش- تحضر له بعض الكتب ليطالعها، وتسرد له بعض الحكايات المتداولة عن الأساطير ومصاصي الدماء، التي ساهمت في اخراج رائعته فيما بعد، ولم يدم مرض برام طويلًا؛ فقد كان عنيدًا واستطاع التغلب على مرضه، ولم يكتف بذلك فحسب بل أصبح بطلًا لكرة القدم في كلية «ترينتي»، كما برع في الرياضيات والعلوم والتاريخ واللغة، وحاز على مرتبة الشرف لدى تخرجه.

حقق حلم والديه وحلمه معًا

سار ستوكر على خطى والده؛ فعمل في الخدمة المدنية كموظف في قلعة دبلن، وخدم بها 8 سنوات نزولًا عند رغبة والده، ولكن ذلك لم ينس ستوكر حلم طفولته، فكان ينشر في تلك الفترة بعض المجلات والقصص منها «كأس الكريستال» عام 1872، و«سلسلة القدر» عام 1875، و«لعنة الروح» عام 1880، بالإضافة إلى تعاونه مع بعض المجلات كناقد مسرحي بدون أجر.

صداقة العمر

وأثناء تواجد برام في بريطانيا، ربطته صداقة عمر بالممثل البريطاني الشهير «Sir Henry Irving» وعمل مديرًا لأعماله، ودفعه شغفه للمسرح والتمثيل أن يصبح مديرًا ناجحًا لمسرح ليسيوم الخاص بصديقه الممثل، واستمر في هذه الوظيفة 27 عامًا حتى وفاة صديقه عام 1906.

روائع الأدب الأنجليزي يلتقون معًا

وأثناء تواجده في الوسط الفني؛ تعرف ستوكر على نخبة من شخصيات المجتمع الأيرلندي والبريطاني، منهم آرثر كونان دويل صاحب الخالدة «شارلوك هولمز»، وألفريد لورد تينيسون «أمير شعراء بريطانيا»، ومارك توين مؤلف «توم سوير» و«هكلبري فين»، وأوسكار وايلد الذي تنافس معه على طلب ود الجميلة فلورنس بالكومب، والتي أختارت ستوكر وتزوجا عام 1878.

برام ستوكر يلمع على أغلفة الكتب

على الرغم من انشغاله المستمر تمكن ستوكر من كتابة روايته الرومانسية الأولى بعنوان «ممر الثعبان»، لتتبعها رائعته «دراكولا» والتي أنهاها عام 1897، وحققت له تلك الرواية شهرة لم يحلم بها يومًا، واكتسحت الأسواق لتحقق أعلى نسبة مبيعات في بلدها وتترجم لعدة لغات، وحتى اليوم تعتبر من أكثر الأعمال الأدبية قراءة على مستوى العالم، لتصير منبعًا خصبًا ورافدًا لجميع أفلام الرعب السينمائية على مر قرون متتابعة.

نشر ستوكر عقب هذا النجاح روايتان أولهما «لغز البحر» التي نشرت عام 1902، والثانية رواية رومانسية بعنوان «الرجل» نشرت عام 1905، وتحدث ستوكر في هاتين الروايتين عن دور الرجل والمرأة في المجتمع وتصوره العام تجاه المرأة.

وداعًا يا توأم الروح

حينما توفي صديقة سير ايرفينج أصيب ستوكر بنوبة قلبية نقل على إثرها إلى المشفى، وأثناء مرحلة نقاهته لم ينسيه المرض صديق عمره، فعمل على كتابة السيرة الذاتية لحياة هذا الممثل من خلال الصداقة التي ربطت بينهما، وتم نشر الكتاب عام 1906.

وتتوالى الروائع

استمر هذا الأديب في كتابة روايات الرعب والغموض، مثل رواية «جوهرة النجوم السبع» التي نشرت عام 1903 وتدور أحداثها في مصر، ورواية «سيدة الخمار» التي نشرت عام 1909، ورواية «مخبأ الدودة البيضاء» ونشرت عام 1911.

رحيل خالق الأساطير

في سنواته الأخيرة تدهورت صحته بشكل متسارع وملحوظ ليفارق الحياة في 20 أبريل عام 1912، تاركًا حيرة وغموض أثارت الكثير من الجدل عن أسباب وفاته، ولكن كاتبي السيرة الذاتية تجنبوا الحديث في هذا الأمر، حتى نشر حفيده دانييل فيرسون في كتاب سيرة حياته أسباب وفاة جده، حيث بين الأطباء إصابته بالشلل العام المرتبط بداية بالجنون.

كيف اشتعل فتيل كتاب «دراكولا»

جمعت علاقة صداقة قوية ستوكر وبروفيسور بجامعة بودابست بهنغاريا، وذات مرة حكى الأخير لصديقه قصص عن أساطير مصاص الدماء في ترانسليفنيا، وعليه توجه ستوكر إلى إحدى المكتبات بلندن ودرس جميع الموضوعات والدراسات التاريخية عن مصاصي الدماء، كما درس طائر الخفاش وهو من الثدييات، يتغذي على الدماء ويعيش في أمريكا الجنوبية، كما عمل ستوكر على الربط بين الأساطير الشعبية المتفرقة وشخصيات التاريخ البغيضة؛ ليخلق كائنًا خرافيًا اجتاح العالم أجمع ما بين كتب وأفلام.

دراكولا لم يكن خيالًا.. جميع الأساطير بها شيء من الحقيقة

استوحى ستوكر بطل روايته من شخصية حقيقية، وهى الأمير فلاد دراكولا الذي حكم هنغاريا ورومانيا، وعرف بجبروته وطغيانه الشديد، ويُقدر عدد ضحاياه بعشرات الآلاف، فكان يتلذذ بالتعذيب والقتل، ليصبح مثالًا للقسوة والوحشية في العالم بأسره لما حواه تاريخه من فظائع.

كذلك استمد حكايته من الكونتيسة إليزابيث باثوري من ترانسليفنيا، والتي اشتهرت بجمالها، ولكن حينما تقدمت بالعمر لم تتقبل فكرة أن تصاب بالعجز، وأصيبت بجنون خوف فقدان جمالها، وبدأت بالاعتقاد أن دماء الفتيات الشابات سيحفظ لها عنفوان شبابها؛ لتشرع في قتل 50 خادمة.

شخصية مصاص الدماء تفصح عن نفسها برواية «دراكولا»

أنت تتحدث هنا عن رجل ميت، يتخذ التابوت مأوى له من ضوء النهار، ويصحو مع سواد حالك؛ ليمتص دماء ضحاياه بأسنانه النابية، ارتباط هذا المخلوق الخرافي بالخفاش، ربما لكون الاثنان تغذيهم الدماء وتخيفهم الأضواء، ولكن الفرق أن دراكولا -هنا- عندما يستمد دمك موردًا لغذاؤه، فهو يخلق منك وحشًا داميًا مثله يعيش في دياجير الظلام.

ما بين أروقة ترانسليفنيا

قلعة دراكولا أو بران واحدة من أكثر المعالم شهرة في رومانيا، تبعد عن مدينة براشوف 30 كيلومترًا، بنيت في الأساس لتكون حصنًا دفاعيًا لرومانيا، وتعتبر الآن متحف مفتوح للسياح يعرض ممتلكات وملابس وتحف الملكة ماريا وجميع محتويات عصرها.

توجد القلعة على جبل مرتفع محاط بغابات كثيفة، وفور اقترابك منها ستجد العديد من المحلات الرومانية التي تبيع كل ما له علاقة بدراكولا، حيث يعتبرون الكونت فلاد بمثابة بطل قومي وليس طاغية متكبر.

ستجد بالقرب من القلعة متحف القرية، الذي يعرض أسلوب الحياة الريفية القديمة في رومانيا، وعند اقترابك أكثر ستلاحظ السلالم العالية التي توصل إلى بوابة القلعة، وأول ما ستقع عليه عيناك بالداخل هو الساحة الداخلية، ومنها ستنطلق إلى الغرف الموزعة على الطوابق الأربعة، وصولًا المنظر البانورامي للجبال في الدور العلوي.

موجز عن ما سطره ستوكر في «دراكولا»

كتب ستوكر هذه الرواية التي تدور أحداثها في القرن ال19 على نمط مذكرات، يرويها البطل جوناثان هاربر ذلك المحامي الشاب الذي كلف بمهمة الذهاب إلى ترانسليفنيا بأوروبا الشرقية، للقاء الكونت دراكولا المقيم في قلعته النائية لإنجاز الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته الجديدة، وفي طريقه إلى القلعة يبدء الفلاحون بتحذيره من الذهاب، ويتمتمون بكلمة غريبة ترجمها هاربر لاحقًا لمصاص دماء.

وبعد خوض أهوال الطريق الوعر مرورًا بالذئاب، يصل هاربر إلى القلعة ليستقبله الكونت بحفاوة ولكنه يمنعه من بعض الأمور منها التجول وحيدًا في الليل؛ ليشعر هاربر أنه سجين هذه القضبان، ويبدء بالتنبه إلى بعض الوقائع الغريبة، منها عدم وجود أية مرآة بالقلعة، وعدم تناول الكونت للطعام والشراب، بالإضافة إلى غيابه الدائم طوال النهار، وعدم نومه في غرفته وغير ذلك من الدلائل التي تجعل القارئ يتابع الأحداث مع البطل، الذي يتوحد معه ويصير عينيه في رؤية الأحداث.

التعليقات