ملك حجري وساحرة ملعونة.. حكاية البركة والسمكات الملونة من ألف ليلة وليلة ج2
ملك حجري وساحرة ملعونة.. حكاية البركة والسمكات الملونة من ألف ليلة وليلة ج2

الساحرة.. في الصباح الباكر، خرج الملك شهريار لمحل حكمه فحكم وولى وعزل، حتى آخر النهار.

ثم وانفض الديوان فدخل شهريار إلى قصره.

وكانت شهرزاد تستعد لسرد الحكايات، فقالت: “بلغني أيها الملك السعيد، أن ملك المدينة لما وصل إلى القصر، بغرض معرفة حكاية البركة والسمكات الملونة.

وجد شابًا حزينًا جالسًا على السرير، ونصفه السفلي قد تحول إلى حجر.

فسأله عما جرى له، فقال الشاب: “أعلم أيها الملك أن لهذا أمرًا عجيبًا، لو كتب بالإبر على آفاق البصر، لكان عبرة لمن اعتبر”.

حكاية الشاب المسحور

وتابع الشاب: “وذلك يا سيدى أن والدي كان ملك هذه المدينة، وصاحب هذه الجبال الأربعة، وأقام في الملك سبعين عامًا، ثم توفي وتوليت من بعده، وتزوجت بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة، بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى تراني”.

الساحرة

خيانة وعذاب

ومكثنا على هذا الحال خمس سنين، وذات ليلة ذهبت زوجتي للاغتسال.

فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعامًا للعشاء، ثم دخلت هذا القصر وبقيت أنتظرها وقتًا طويلًا.

فقلقت لغيابها، ولم يأخذني نوم غير أن عيني مغمضة ونفسي يقظانة.

فسمعت جارية تقول لأختها: “مسعودة أن سيدنا مسكين، يا خسارته مع سيدتنا الخبيثة”.

فقالت الأخرى: “لعن الله النساء الخائنات”.

وقالت الأولى: “إن سيدنا مغفل؛ لأنه لم يسأل عنها”.

فقالت الأخرى: “ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها، فقد وضعت له منومًا في قدح الشراب ،الذي يشربه كل ليلة، فينام ولا يعلم لأين تذهب، وتغيب حتى الفجر، ثم تأتي في الصباح وتوقظه وكأن شيئًا لم يكن”.

فلما سمعت كلام الجواري صار الضياء في وجهى ظلامًا.

وبعد قليل جاءت زوجتي من الحمام، فأكلنا وجلسنا ساعة من الزمن.

ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام، فناولتني الكأس وتظاهرت أني أشربه.

لكن سكبته بجانبي، وثم تظاهرت مرة أخرى بالنوم بعد، وإذا بها قالت: “نم، ليتك لا تقوم، فالله قد كرهتك وكرهت صورتك”.

ثم ارتدت أفخر ثيابها وخرجت من القصر.

فتبعتها سائرًا في الأسواق إلى أن وصلت إلى أبواب المدينة.

وتكلمت بكلام لا أفهمه، فتساقطت الأقفال وفتحت الأبواب، فخرجت خلفها وهي لا تشعر بي.

حتى أتت حصنًا فيه قبة لها باب كبير، فدخلته وصعدت أنا على سطح القبة، فرأيت رجلًا جالسًا في الداخل.

الساحرة

ضربة غير قاتلة

ولما رأها الرجل رفع رأسه وقال: “ما سبب تأخرك”.

فقالت: “أما تعلم أني متزوجة بابن عمي، وأنا أكره النظر في وجهه، وتعلم أني ساحرة لولا أني أخشى على خاطرك لجعلت المدينة خرابًا يصيح فيها البوم والغراب وأنقل حجارتها إلى جبل قاف”.

فقال الرجل: “إن ظللت تتأخرين هكذا فلن أعرفك بعد الآن”.

فلما سمعت كلامها وأنا أنظر بعيني ما جرى بينهما، صارت الدنيا في وجهى ظلامًا.

ثم رأيت ابنة عمي تبكي وتستعطفه ليسامحها، فلما نظرت هذا هممت أن أقتل الإثنين.

لكني ضربت الرجل أولًا على رقبته فظننت أنه قُضي عليه.

بيت الأحزان

فهربت ابنة عمي وعادت لقصري، ولم تعلم أني من ضربت الرجل.

وفي الصباح رأيتها قد قصت شعرها ولبست ثياب الحزن، وقالت: “يا ابن عمي لا تلمني فيما أفعله، فإنه بلغني أن والدتي توفيت، فيحق لي أن أبكي وأحزن”.

فلما سمعت كلامها قلت لها: “افعلي ما بدا لك”.

فمكثت في حزن وبكاء عام كامل، ثم قالت لي أريد أن أبني في قصرك قبة أسميها بيت الأحزان.

فلم أعارضها، فبنتها ونقلت فيها الرجل الذي جرحته وكان لا يتكلم إلا أنه كان حي.

الساحرة

فصارت كل يوم تدخل القبة وتبكي عنده، ولم تزل على هذه الحالة صباحًا ومساءً للعام الثاني.

وأنا أصبر عليها إلى أن دخلت عليها يومًا، على غفلة فوجدتها تبكي وتصرخ وتذكر هذا الرجل.

ملك حجري

فأردت أن أضربها فقامت وقد علمت أني من جرح هذا الرجل، وكانت ساحرة فتكلمت بكلام لا أفهمه.

وألقت علي السحر، فأصبح نصفي حجر والنصف الآخر بشر، فصرت كما ترى، وبقيت لا أقوم ولا أقعد ولا أنا ميت ولا أنا حي.

ثم سحرت أهل المدينة لأسماك ملونة، وسحرت الجزائر الأربعة جبال وأحاطتها بالبركة، وصارت كل يوم تعذبني على فعلتي بهذا الرجل.

معروف لن أنساه أبدًا

فالتفت الملك إلى الشاب وقال له: “أيها الشاب زدتنى همًا على همي”.

ثم قال: “وأين تلك المرأة”، فقال الشاب: “في القبة التي بها الرجل”.

فقال الملك: “والله يا فتى لأفعلن معك معروفًا وأنقذك من شرورها”، ثم جلس يتحدث معه إلى أن أقبل الليل.

فقام الملك وتقلد سيفه ونهض إلى المكان الذي فيه الرجل، ثم ضربه فقتله، وحمله على ظهره ورماه في بئر القصر.

وبعد ذلك أرتدى ثياب ذلك الرجل ودخل القبة وسيفه مسلولًا، وبعد ساعة أتت الساحرة عقب تعذيبها لابن عمها.

فبكت وقالت للملك وهي تحسبه الرجل الذي تحب: “يا سيدى كلمني”.

فخفض صوته، وقال: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فلما سمعت كلامه صرخت من الفرح.

فخفض صوته وقال: “لا تستحقي أن أكلمك”، فقالت: “ما سبب ذلك”.

قال: “أيتها الساحرة أنك طول النهار تعاقبين زوجك، وهو يصرخ ويستغيث حتى حرمتيني النوم من العشاء إلى الصباح، ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو عليك حتى أقلقني صوته، ولولا هذا لكنت قد تعافيت”، فقالت: “حسنًا، سأخلصه مما هو فيه”.

ثم قامت وخرجت من القبة إلى القصر وأخذت طاسة ملأتها ماء، ثم تكلمت عليها فصار الماء يغلي بالقدر، فرشت ابن عمها منها وقالت: “بحق ما تلوته أن تخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى”.

فانتفض الشاب وقام على قدميه، وفرح بخلاصه وقال: “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، فقالت له: “اخرج ولا ترجع إلى هنا وإلا قتلتك”.

عودة المدينة المسحورة

فخرج من بين يديها وعادت إلى القبة ونزلت وقالت: “يا سيدى لقد جعلته يرحل”.

فقال لها بكلام ضعيف: “أي شيء فعلتيه، أرحتيني من الفرع ولم تريحيني من الأصل”.

فقالت: “وما هو الأصل” قال: “أهل هذه المدينة والأربع جزائر، كل ليلة إذا انتصف الليل، يرفع السمك رأسه ويدعو علي وعليك، فهو سبب منع العافية عن جسدي”.

فقالت: “يا سيدى على رأسي وعيني”.

ثم نهضت وخرجت إلى البركة وأخذت من مائها قليلًا، وتكلمت عليه بكلام لا يُفهم فتحرك السمك، ورفع رأسه وصار آدمي في الحال.

وانفك السحر عن أهل المدينة وأصبحت عامرة وأسواقها منصوبة، وصار كل واحد في صناعته وانقلبت الجبال جزائر كما كانت.

الساحرة

الخلاص من الساحرة

ثم عادت الساحرة إلى الملك فسل سيفه وطعنها فسقطت قتيلة.

ثم خرج فوجد الشاب المسحور واقفًا في انتظاره، فهنأه بالسلامة وشكره الشاب.

فقال الملك: “هل ستبقى في مدينتك أم تأتي معي إلى مدينتي؟”.

فقال الشاب: “يا ملك الزمان أتدرى ما بينك وبين مدينتك؟” فقال: “يومان ونصف”.

قال الشاب: “إن بينك وبين مدينتك سنة كاملة، وما أتيت في يومين ونصف إلا لأن المدينة كانت مسحورة، وأنا أيها الملك لا أفارقك لحظة عين حتى تعود لمدينتك”.

عودة حميدة

ففرح الملك بقوله ثم قال: “الحمد لله الذى من علي بك، فأنت ولدي لأني لم أرزق ولدًا”، ثم تعانقا وفرحا فرحًا شديدًا، وأخبر الملك الشاب الذي كان مسحورًا أرباب دولته، أنه مسافر فهيئوا له جميع ما يحتاج ثم توجه مع السلطان، وقلب السلطان ملتهب على مدينته حيث غاب عنها سنة.

ثم سافر ومعه خمسون مملوكًا والعديد من الهدايا، ولم يزالا مسافرين ليلًا ونهارًا عام كامل حتى أقبلا على مدينة السلطان.

فخرج الوزير والعساكر بعدما قطعوا الرجاء من عودته، وأقبل العساكر وهنؤه بالسلامة، فدخل الملك وجلس على كرس العرش، ثم أقبل على الوزير وأعلمه بكل ما جرى للملك الشاب الذي قابله،

شهريار

وعاش منعمًا

ولما استقر الحال أنعم السلطان على أناس كثيرون، ثم قال للوزير علي بالصياد الذي أتى بالسمك وكان سببًا في خلاص أهل المدينة.

فأحضره وأجزل له العطاء، ثم سأله عن حاله وهل له أولاد، فأخبره أن له ابنًا وبنتين، فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى، وعين ابنه عنده.

ثم أرسل الملك الوزير إلى مدينة الشاب، وقلده سلطنتها وأرسل معه الخمسين مملوكًا الذين جاؤوا معه.

فخرج مسافرًا، واستقر السلطان والشاب، أما الصياد فإنه قد صار أغنى أهل زمانه وبناته زوجات الملوك.

وهذا ليس بأعجب مما حدث في مدينة النحاس، قال شهريار: “وما مدينة النحاس، وماذا جرى فيها؟”، قالت شهرزاد: “سيكون هذا موضوع حكايتنا القادمة إن شاء الله”.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

التعليقات