منها جحا.. والسندباد البحري.. أشهر 6 شخصيات شعبية في التراث العربي

الزمان: العصور القديمة

المكان: الوطن العربي

سندباد.. علاء الدين.. جحا.. جميعها شخصيات قرأنا عنها في طفولتنا، وكنا نتحرق شوقًا لسماع حكايتها، استمتاعًا بأحداثها الشيقة، واستقاءً للعبرة والعظة الواردة بين ثناياها، لذا نقدم اليوم دليلًا مختصرًا لأهم هذه الشخصيات الشهيرة التي طالما زخر بها تراثنا العربي.

جذور الشجرة.. التراث العربي الشعبي

يعتبر تراثنا العربي من أكبر أنواع الإرث الحضاري في التاريخ، فهو يضرب بجذوره في القدم، ويعد منبعًا أصيلًا للأمة، يشكل صفاتها التي تميزها عن غيرها من الحضارات.

ويعُرف التراث العربي بأنه سلسلة طويلة من الحضارات الإنسانية المتعاقبة، تمثل خلاصة ما تركه السلف العرب، من موروثات العلم والثقافة والمعارف والأشعار والتقاليد والخبرات والحكايات والقصص والأمثال، فهو ثروة كبيرة من الآداب والقيم تنقل عادات الشعوب من جيل إلى جيل.

1- سندباد.. بطل من بغداد

السندباد البحري أحد أشهر شخصيات ألف ليلة وليلة، تحكي قصته عن بطل شجاع قادم من بغداد، يزور العديد من الأماكن السحرية ويقطع البحار السبع، في أثناء إبحاره من سواحل إفريقيا الشرقية وجنوب أسيا.

ويلاقي في رحلته الكثير من الأهوال والصعاب، حتى ينجح في تحقيق مهمته وتكوين ثروة طائرة بعد عناء سنين، كل ذلك في قالب مسلي من المغامرات الشيقة والمرحة.

تقول بعض الروايات بأن سندباد لم يكن شخصية أسطورية بل كان شخصًا حقيقيًا، حيث كان يعيش في زمن الخلافة العباسية كتاجر بغداي مقيم في عمان، ومنه تم اقتباس قصة السندباد البحري.

2- علاء الدين.. وجني المصباح السحري

تعد حكاية علاء الدين من أبرز الحكايات في كتاب ألف ليلة وليلة، والتي تمت إضافتها إلى الكتاب من قبل المستشرق الفرنسي أنطوان جالان في القرن الثامن عشر.

هي حكاية خيالية تحكي عن شاب فقير يعيش في بغداد، له عم بخيل بلغ مبلغًا كبيرًا في الطمع، في ذات ليلة استغل هذا العم علاء الدين، وطلب منه أن يساعده في استخراج الكنز الموجود بالمغامرة السحرية، لكن يغلق باب المغارة بشكل مفاجئ، ويذهب العم دون أن يُعر العم ابن أخيه أي اهتمام.

وبداخل المغارة يجد علاء الدين المصباح السحري، ويتعرف على الجني المسجون بداخله، ويعرض عليه الجني أن يحقق له 3 أمنيات، على إثرها تبدأ حياة علاء الدين بالتغير بشكل جذري.

3- حي بن يقظان.. في جزيرة منعزلة

تدور قصة حي بن يقظان حول اكتشاف الإنسان للكون والدين والحياة، وتحمل القصة عددًا من المضامين الفلسفية أوردها الفيلسوف ابن سينا، الذي كتبها أثناء فترة سجنه، ثم أعاد كتابتها الشيخ شهاب الدين السهروردي وابن طفيل وآخر من كتب فيها كان ابن النفيس.

تتحدث القصة عن امرأة تزوجت خفية دون علم شقيقها، وعندما وضعت وليدها خافت عليه، فوضعته في تابوت وألقته في البحر، وكان هذا الطفل حي بن يقظان.

بعد ذلك يستقر التابوت على ساحل جزيرة الواق واق، وتلتقط ظبية صوت حي بن يقظان، فتعطف عليه وترضعه مع صغارها.

يكبر حي بن يقظان ويمر بسبع مراحل خلال حياته، المرحلة الأولى كانت في إرضاع الظبية له، تليها المرحلة الثانية وقيامه بتشريح الظبية بعد وفاتها، ويتعرف على الحواس وينمو لديه حب التجربة.

أما المرحلة الثالثة فكانت في اكتشافه النار، تعقبها المرحلة الرابعة وتأمله للمكان حوله، واكتشافه الوحدة والكثرة وتشابه الكائنات في المادة واختلافها في الصور.

وبالنسبة للمرحلة الخامسة كانت في معرفته للفضاء ورصده، أما المرحلة السادسة فهي الاستنتاج بعد التفكير، ومعرفة أن النفس منفصلة عن الجسد، لتأتي المرحلة السابعة الأخيرة التي يستنتج بها أن هناك موجد لهذا الوجود.

4- جحا.. أشهر من ذُكر في التراث الشعبي

هو شخصية خيالية ذكرها التراث الشعبي في أكثر من موضع، تحكي عن رجل فقير كان يعيش الأحداث بطريقة مختلفة، ويتصرف بذكاء ساخر في حياته اليومية، فبدأت قصصه ومواقفه تنتقل بين الناس، كل يرويها بطريقته الخاصة، حتى صار هناك زخرًا من الأحداث الخيالية.

نسبت شخصية جحا إلى شخصيات كثيرة عاشت في عصور مختلفة، فبالنسبة للأدب العربي كان جحا هو أبو الغصن دُجين الفزاري، الذي عاش في الدولة الأموية، أما في الأدب التركي هو الشيخ نصر الدين خوجه الرومي، الذي عاصر الحكم المغولي لبلاد الأناضول، وهكذا ظلت كل دولة تنسب جحا إلى أحد سكانها القدماء.

ومن ضمن حكايات جحا الشهيرة أنه أشترى 10 حمير، فركب واحدًا وساق 9 أمامه، ثم عدّ الحمير ونسي الحمار الذي يركبه فوجدها 9، فنزل من على الحمار وعدّها مرة أخرى فوجدها 10، ثم كرر الأمر مرة أخرى والحال على ما هو عليه، حتى سأم ونزل من على الحمار وسار على قدميه، وقال: “أمشي وأربح حمارًا، خير من أن أركب ويذهب مني حمار”.

5- بهلول.. أعقل المجانين

يعتبر بهلول من الشخصيات التراثية التي اشتهرت بالفكاهة الممزوجة بالحكمة مثل جحا، ويقال بأنه كانت تصيبه أحيانًا نوبات من الجنون فما قصة بهلول؟

تحكي القصة عن رجل يدعى أبو وهب أو بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي ولد بالكوفة في العراق، واشتهر بعلاقته مع الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث كان بمثابة مهرج له يروي له الطرائف.

لكن في الحقيقة لم يكن بهلول هذا الشخص المجنون الذي اعتقده الكثيرين، فقد كان كان شاعرًا ذكيًا وحكيمًا وعالمًا باللغة وسلامة الحروف، فكان آل الرشيد يخشون دهاؤه الشديد وحنكته المفرطة، لذا قرر بهلول أن يتصرف بتلك الطريقة المضحكة والمجنونة حتى يتجنب تخوف آل الرشيد.

وهناك روايات أخرى تقول أن الخليفة هارون الرشيد لما رأي ذكاء بهلول وحكمته؛ قرر أن يوكل إليه بعض مهام القضاء، وكان بهلول لا يريد ذلك، فقام بالتصرف هكذا حتى يخرج نفسه من تلك المهمة.

ومن ضمن الطرائف التي وردت عن بهلول قصته مع العشرة دراهم، عندما جاء رجل يشتكي إليه أن فلانًا أخذ منه 10 عنوة ولا يريد إرجاعهم، فتنكر بهلول بزي تاجر، ودعى من أخذ المال لتناول الطعام معه، وعلى المائدة لم يأكل بهلول شيئًا.

تعجب الرجل وسأله عن ذلك، فأجابه بهلول بأنه لا يأكل طعامًا وضع فيه سم جرذان، هنا فزع الرجل واستنكر على بهلول فعلته، فقال بهلول بأن بيته كان مليئًا بالفئران؛ لذا وضع لهم السم، لكن بالخطأ سقط بعضه في الطعام، فخشى أن يمنع الضيف من الأكل فيظن أنه لا يرحب به.

لكن عاد بهلول يطمئن الرجل ويخبره أن يعرف رجلًا يملك ترياق مضادًا للسم، ثم استدعى صاحب المال وقال بأن ثمنه 10 دراهم، فأخرج الرجل 10 دراهم بسرعة وأعطاهم إليه.

هنا ضحك بهلول وخلع تنكره وقال للرجل: “أنت أردت أن تتحمل ألم نار الآخرة بأخذك لدراهم الرجل ظلمًا، ولكنك لم تتحمل ألم الدنيا بضع دقائق يا لك من ضعيف..”.

6- أشعب.. أطمع من أشعب

هو شخصية شهيرة في التراث العربي، عرف بالشراهة في الأكل والطمع الشديد، فكان يضرب به المثل لكل طماع في القول “أطمع من أشعب”.

يقال أن أشعب بن جبير ولد سنة 9 هجرية، وكان شديد الذكاء حسن الصوت يجيد الغناء، لدرجة أنه كان يتكسب منه، أما بالنسبة لنوادره فالمرجح بأنها ليست جميعها واقعية، بل أحيانًا يختلط فيها الخيال بالحقيقة، حتى أنه تم تحريف بعضها لإظهار أشعب كرجل ساخر، دون اعتبار لذكاؤه وسرعة بديهته.

ومن الطرائف التي وردت عن أشعب أنه حضر ذات يوم مائدة لأحد الأمراء، وكان يريد أن يقص عليهم أحد الحكايا، فبدأها بقوله: “كان رجل…” لكنه عندما رأى الطعام يوضع على الطاولة، علم أن حكايته ستلهيه عن تناول الطعام فسكت.

فقال له الأمير: “كنت قد قلت: كان رجل… وسكت فأخبرنا ماذا حدث!؟”، قال لهم أشعب وعيناه مسمرتان على المائدة: “آه صحيح، كان رجل.. ومات”.

وختامًا ما زال التراث العربي يأثرنا بالعديد من الحكايا، ويخبأ في جعبته المزيد من القصص التي لا تنتهي، والتي تبهرنا دومًا بأحداثها الشيقة.

التعليقات