وعدت شهرزاد الملك شهريار بحكاية أعجب من الخيال، واستقر الحال على حكاية الملك بدر باسم بن شهرمان.
وعندما حل الليل بنسماته البديعة، جلست شهرزاد تستعد لسرد الحكايات، وتسترجع ما مضى وفات.
فقالت: “يُحكى أيها الملك السعيد، أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، كان هناك ملك يُقال له شهرمان، حكم بلاد خراسان، وله من الملك ما لا يتخيله إنسان، إلا أنه لم يكن له خليفة فكان شديد الأسف على حاله.
لقاء خيالي
وفي أحد الأيام بينما كان جالسًا في مجلسه دخل عليه بعض مماليكه، وقالوا له أن بالباب تاجر وجارية لم يروا أحسن منها فأدخلهم الملك.
وعندما خطت الجارية مجلس الحكم، تعجب الملك من حسنها وجمالها.
وقال للتاجر: “بكم هذه الجارية؟”، قال التاجر: “يا سيدي إنها هدية مني إليك”.
لما سمع الملك هذا الكلام أمر للتاجر بعشرة آلاف دينار، ثم طلب من المواشط تزيين الجارية.
وأعطاها أجمل مقصورة في القصر، وجهز لها كل ما تحتاج إليه، ثم أمر بإحضار موائد تضم أفخر أنواع الطعام.
فأكلت الجارية ولم تتكلم بكلمة واحدة، فصار الملك يحدثها ويسألها عن اسمها لكنها لم ترد جوابًا.
سأل الملك الجواري الأخريات إن كانت قد تكلمت معهن، فأجبنه أنهن لم يسمعن لها خطابًا.

دقوا الطبول
لكن رغم ذلك أحب الملك الجارية، وأبقاها في قصره عام كامل.
وذات ليلة قال لها الملك: “إني قد تخليت عن الجواري من أجلك، وأدعو الله أن تتكلمي معي إن كنت تتحدثين”.
“أما إن كنت خرساء فاعلميني بالإشارة حتى أقطع العشم”.
كما إني أرجو من الله تعالى أن يرزقني بابن منك، يتولى شؤون البلاد من بعدي”.
فأطرقت الجارية رأسها تفكر، ثم نظرت للملك وتبسمت وقالت: “أيها الملك قد استجاب الله دعائك”.
“وإني حامل منك ولكن لا أعلم هل الجنين ذكر أو أنثى، ولولا أني حملت ما كلمتك كلمة واحدة”.
لما سمع الملك كلامها تهلل وجهه بالفرح والانشراح وقال: “الحمد لله الذي منّ علي بأمرين، الأول كلامك، والثاني حملك”.
ثم إن الملك أمر وزيره أن يُخرج للفقراء والمساكين والأرامل مائة ألف دينار، شكرًا لله تعالى.
الملكة جلنار البحرية
ثم دخل إلى الجارية وقال: “إن لك عندي عام كامل لم تكلميني أبدًا إلا في هذا النهار، فما سبب سكوتك؟”.
فقالت الجارية: “يا ملك الزمان لقد فارقت أمي وأهلي وأخي”.
فقال الملك: “أعلميني في أي مكان هم وأنا أحضرهم عندك”.
بدأت الجارية تحكي للملك قصتها فقالت: “اعلم أيها الملك السعيد، أن اسمي جلنار البحرية، وكان أبي من ملوك البح”.
“لكنه مات وترك لنا ملكًا عظيمًا، فسرقه ملك آخ”.
“ولي أخ يدعى صالح، فتنازعت ذات ليلة مع أخي، وحلفت أن أخرج إلى البر، ثم قابلت التاجر الذي أعطاني إليك”.
“ولولا أن قلبك حبني فقدمتني على جميع جواريك، لكنت رميت نفسي إلى البحر وذهبت إلى أمي وأخي”.
“إلا أني استحيت أن أسير إليهم وأنا حامل، فيظنون بي سوء ولا يصدقوني”.
ثم طلبت الجارية من الملك استدعاء عائلتها، وستخبرهم أنه اشتراها بماله وأكرمها وأحسن إليها، فوافق الملك في الحال.

ملوك البحار
ثم تابعت الجارية: “اعلم يا ملك الزمان أننا نسير في البحر وعيوننا مفتوحة”.
“ونرى ما فيه وكذلك الشمس والقمر والنجوم والسماء كأننا على وجه الأرض، ولا يضرنا ذلك”.
“واعلم أيضًا أن في البحر طوائف كثيرة، وأشكالًا مختلفة، وأن جميع ما في البر بالنسبة للبحر قليل جدًا”.
ثم أخرجت الجارية قطعتين من العود القماري، وأوقدت النار وألقت العود فيها.
وجعلت تتكلم بكلام لا يفهمه أحد، فطلع دخان عظيم والملك ينظر مندهشًا.
فقالت الجارية: “يا مولاي قف وراء الستار حتى أريك أخي وأمي وأهلي من حيث لا يرونك”.
فقام الملك واختبأ وصار ينظر ما تفعل.
وفجأة اضطرب البحر، وخرج منه شاب مليح الصورة ،وعجوز معها خمس جوارٍ.
وصاروا يمشون على وجه الماء، ولما رأتهم جلنار استقبلتهم بالفرح والسرور، فعانقوها وبكوا بكاءً شديدًا.
ثم قالوا لها: “يا جلنار كيف تتركيننا ولا نعلم أين أنتِ، لقد صرنا نبكي نهارًا وليلًا من فرط شوقنا إليك”.
ثم بدأوا يسألونها عن حالها وما جرى لها، فقصت عليهم حكايتها بالتفصيل.
لما سمع أخوها كلامها قال لها: “الحمد لله الذي جمع شملنا بك، لكن يا أختي عليك أن تعودي معنا”.
هنا طار عقل الملك خوفًا من موافقة الجارية على كلام أخيها.
لكن جلنار قالت لأخيها إن الرجل الذي اشتراها ملك هذه المدينة، وهو ملك عظيم عاقل، غاية في الجود، وقد أكرمها وأحسن إليها، وأنها عنده في أحسن الأحوال وأتم النعم.
ثم ذهبت جلنار للملك وأحضرته ليسلم على أهلها، فاستقبلهم بأحسن السلام، ودعاهم للأكل على المائدة، وأقاموا معه ثلاثين يومًا، ثم عادوا بعد ذلك لبلادهم.

كالبدر في تمامه
ومع مرور الأيام استوفت جلنار مدة حملها، فوضعت غلامًا كأنه البدر في تمامه.
وأقام الملك الأفراح والاحتفالات، وحضرت أم الملكة جلنار وأخوها وبنات عمها.
فقال لهم الملك: “لم أرغب أن أسمي ولدي حتى تحضروا وتسموه أنتم”.
فسموه “بدر باسم”، ثم حمله خاله صالح ومشي به في القصر يمينًا ويسارًا.
حتى إذا خرج من القصر، نزل به البحر المالح ومشي حتى اختفى عن عين الملك.
لما رآه الملك أخذ ولده إلى قاع البحر صار يبكي وينتحب.
فقالت له جلنار: “يا ملك الزمان لا تخف، فأنا أحب ولدي أكثر منك، وإنه مع أخي فلا تبال من البحر، ولا تخشى عليه من الغرق، فلو علم أخي أن فيه ضرر للصغير ما فعل ذلك”.
ولم يمض سوى ساعة حتى خرج صالح ومعه الطفل سالمًا.
وقال للملك: “يا ملك البر إنا كحلناه بكحل نعرفه، وقرأنا عليه بالأسماء المكتوبة على خاتم سليمان بن داود -عليه السلام-، فإن المولود إذا ولد عندنا صنعنا به ما ذكرت لك، فلا تخف عليه من الغرق ولا الخنق ولا من سائر البحار إذا نزل فيها، ومثل ما تمشون أنتم في البر نمشي نحن في البحر”.
أشكر صنيعك
ثم أخرج صالح من جيبه جواهر منظومة من الزمرد والياقوت.
وقال: “هذه الجواهر هدية مني إليك؛ لأننا ما أتيناك بهدية قط، وقد صرنا عائلة واحدة، ومن حين لآخر نأتيك بمثلها، فهي عندنا أكثر من الحصى في البر، ونعرف جيدها ورديئها”.

لما نظر الملك إلى تلك الجواهر اندهش وقال: “إن جوهرة واحدة من هذه الجواهر تعادل ملكي بالكامل”.
ثم شكر شقيق زوجته فقال له صالح: “يا ملك الزمان إن لك علينا حقًا، فقد أحسنت إلى أختي وأستقبلتنا في منزلك، ولو وقفنا في خدمتك ألف عام ما قدرنا أن نكافئك”.
ثم عاد صالح وأمه وبنات عمه إلى البحر حتى غابوا عن العين، وأحسن الملك إلى جلنار وأكرمها إكرامًا زائدًا.
وأصبح ملك البلاد
نشأ الصغير بين أبيه وأمه، وصار خاله وجدته وبنات عم أمه، يأتون لزيارتهم من حين لآخر، ويقيمون عند الملك الشهر والشهرين ثم يرجعون إلى البحر.
وكان بدر باسم يزداد حسنًا وجمالًا يومًا بعد يوم.
وقد تعلم الخط والقراءة والنحو واللغة، وكما تعلم الرمي بالنشاب واللعب بالرمح والفروسية، وسائر ما يحتاج إليه أولاد الملوك، ولم يبق أحد من أهل المدينة إلا وله حديث بمآثر ذلك الصبي.
وأحب الملك ابنه محبة عظيمة، فأحضر الوزراء والأمراء وأرباب الدولة، وجعلهم يوقعون على وثيقة تُنصب بدر باسم ملكًا بعد أبيه.
وفي أحد الأيام مرض الملك شهرمان، وأحس بالانتقال إلى دار البقاء.
فأحضر ولده ووصاه بوالدته ورعيته، ثم مكث أيامًا قلائل وتوفي.
فحزن عليه بدر باسم وجلنار وسائر الأمراء والوزراء، وأقاموا له جنازة عظيمة، واستمر العزاء شهرًا كاملًا.
أتى بعد ذلك صالح شقيق جلنار، وأمها وبنات عمها وعزوهم بالملك.
ثم دخل أرباب الدولة على الملك بدر باسم، وقالوا له أنه لا بأس بالحزن على والده، لكن لا ينبغي أن يشغله الحزن عن تولي زمام الرعية.
ثم ألبسوه رداء الملك وأدخلوه المجلس، فقضى أشغال الناس وأنصف الضعيف وأخذ للفقير حقه، فأحبه الناس حبًا شديدًا.

البحث عن زوجة للملك
وفي إحدى الليالي أتى صالح للملكة جلنار، فاستقبلته وأجلسته إلى جانبها، وسألته عن أحوال العائلة، وبدؤا حديثًا طويلًا.
ثم جاء ذكر الملك بدر باسم، وحسنه وجماله وفروسيته وعقله وأدبه، وكان الملك بدر باسم متكئًا بجانبهم.
فلما سمع أمه وخاله يتحدثان في شأنه، أظهر أنه نائمًا ليسمع حديثهما.
فقال صالح لأخته جلنار: “إن عمر ولدك سبعة عشر عامًا ولم يتزوج، فأريد أن أزوجه بملكة من ملكات البحر تكون في حسنه وجماله”، فقالت جلنار: “اذكرهن لي فإني أعرفهن جميعًا”.
فصار يعدهن لها واحدة واحدة وهي تقول: “ما أرضى هذه لولدي، ولا أزوجه إلا بمن تكون مثله في الحسن والجمال، والعقل والأدب والمروءة، والملك والحسب والنسب”.
فقال لها: “ما بقيت أعرف واحدة من بنات الملوك البحرية وقد عددت لك أكثر من مائة بنت وأنت ما يعجبك واحدة منهن”.
ثم فكر صالح قليلًا، وطلب من أخته أن تنظر إن كان ابنها نائمًا أو لا.
فنظرت إليه جلنار ووجدت عليه آثار النوم، فقالت له: “إنه نائم فما عندك من الحديث وما قصدك بنومه؟”.
فقال لها: “يا أختي، اعلمي أني قد تذكرت بنتًا من بنات ملوك البحر، أراها تصلح لابنك، لكن أخاف أن أذكرها، فيكون ولدك منتبهًا، فيتعلق قلبه بمحبتها، وربما لا يمكننا الوصول إليها”.
قالت له الملكة جلنار: “قل لي من هذه البنت؟ فإذا رأيتها تصلح له خطبتها من أبيها، ولو أني صرفت جميع ما أملكه، فأخبرني ولا تخش شيئًا، فإن ولدي نائم”.
فقال: “والله يا أختي ما يصلح لابنك إلا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل، وهي مثله في الحسن والجمال والبهاء والكمال، ولا يوجد في البحر ولا في البر ألطف ولا أحلى شمائل منها”.
وتعلّق قلبه بها
لما سمعت جلنار كلام أخيها قالت له: “صدقت يا أخي”.
فطلب منها صالح ألا تخبر ولدها بحديثهما، حتى يعثرا على جوهرة، وإذا لم يجداها يخطبا له غيرها.
إلا أن بدر باسم كان منتبهًا، وسمع كلامهما في وصف جوهرة بنت الملك السمندل وأحبها، لكنه أظهر لهم أنه نائم.
وفي اليوم التالي طلب بدر باسم من خاله أن يتنزه معه في البستان، وجلسا تحت شجرة كبيرة.
ثم تذكر بدر باسم ما قاله خاله صالح من وصف جوهرة، وما فيها من الحسن والجمال، فبكى وظل يذكرها.

قال له خاله: “هل سمعت يا ولدي ما تكلمت به أنا وأمك؟”.
فقال بدر باسم: “نعم وأحببتها”.
ثم طلب من خاله أن يذهب معه بحثًا عن الملكة جوهرة، فخلع خاله صالح من اصبعه خاتمًا، منقوشًا عليه اسم من أسماء الله الحسنى، وناوله لبدر باسم.
وقال: “اجعل هذا في اصبعك تأمن من الغرق ومن غيره، ومن شر دواب البحر وحيتانه”.
فأخذ بدر باسم الخاتم من خاله وغطسا في البحر، ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى قصر صالح ودخلاه.
فرأته جدته وكان عندها أقاربها، فرحبت به ثم قص صالح على والدته القصة من أولها إلى آخرها.
البحث عن جوهرة
لما سمعت الجدة كلام صالح اغتاظت غيظًا شديدًا.
وقالت له: “يا ولدي لقد أخطأت بذكر الملكة جوهرة بنت السمندل أمام ابن أختك، فأنت تعلم أن والدها أحمق جبار، قليل العقل شديد السطوة، بخيل بابنته على خطابها، ونخاف أن نخطبها من أبيها فيردنا كما رد غيرنا، ونحن أصحاب مروءة، فنرجع مكسورين الخاطر”. لكن صالح أخبر أمه أنه لا بد من ذلك قائلًا: “لابد أن أسعى في قضاء حاجة ابن أختي؛ لأني من ذكرتها له، والله تعالى يساعدني على ذلك”.
ثم نهض وأخذ معه جرابين من جواهر الزمرد والياقوت، ونفائس المعادن وسائر الأحجار الكريمة، وطلب من غلمانه حملها.
وسار بهم مع ابن أخته إلى قصر الملك السمندل، واستأذن في الدخول عليه فأذن وأكرمه غاية الإكرام وأمره بالجلوس.
جلس صالح أمام السمندل، وفتح الجرابين وأخرج منهما الجواهر.
وقال: “يا ملك الزمان عساك تقبل هديتي”، قال له الملك السمندل: “لأي سبب؟ أخبرني بحاجتك، فإن كنت قادرا على قضائها قضيتها لك في هذه الساعة، وإن كنت عاجزًا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.
فقص عليه صالح الغرض من زيارته، والسمندل يستمع إليه بصمت.
فتنة فرقت الجماعات
وعندما أنهى صالح كلامه، ضحك السمندل حتى استلقى على ظهره استهزاء به.
وقال له: “يا صالح كنت أحسبك رجلًا عاقلًا وشابًا فاضلًا، لا تنطق إلا برشاد، ما الذي أصاب عقلك حتى أنك تخطب بنات الملوك”.
قال صالح: “أصلحك الله إني لم أخطبها لنفسي، ولو خطبتها لنفسي لكنت كفؤًا لها بل وأكثر؛ لأنك تعلم أن أبي ملك من ملوك البحر، حتى وإن كنت اليوم ملكنا، ولكني أخطبها للملك بدر باسم صاحب أقاليم العجم، وأبوه الملك شهرمان، وإن زعمت أنك ملك عظيم فالملك بدر باسم أعظم، وإن ادعيت أن ابنتك جميلة فالملك بدر باسم أجمل منها، وأفضل حسبًا ونسبًا، فإن أجبت ما سألتك تكن وضعت الحق في نصابه، وإن تعاظمت علينا، فإنك ما أنصفتنا ولا سلكت بنا الطريق المستقيم”.
لما سمع الملك كلام صالح اغتاظ غيظًا شديدًا، وكادت روحه أن تخرج من جسده.
وطلب من غلمانه قطع رأس صالح، إلا أن صالحًا لاذ بالفرار.
ولما وصل إلى باب القصر رأى أبناء عمه وعشيرته وغلمانه وكانوا أكثر من ألف فارس، بأيديهم الرماح.
فسألوه ماذا جرى فأخبرهم بما صدر من الملك السمندل.
فترجلوا عن خيولهم ودخلوا على الملك، ليروه جالسًا على كرسي مملكته.
فلما رآهم وبأيديهم السيوف صاح على قومه وقال لهم: “خذوا رؤوسهم”.
ولم يمض إلا ساعة، حتى هُزم قوم الملك وقبض صالح وأقاربه على السمندل وكتفوه.

لما علمت جوهرة أن أباها قد أُسر وأن أعوانه قد قُتلوا، خرجت من القصر هاربة إلى بعض الجزائر.
وكذلك فعل بدر باسم لما وجد أن هذه الفتنة وقعت بسببه، فهرب وصار لا يدري أين يتوجه.
لكن المقادير الأزلية ساقته إلى تلك الجزيرة، التي فيها جوهرة بنت الملك السمندل.
الأمير المسحور
فأتى عند شجرة كانت تختبأ فوقها الأميرة جوهرة، وأراد الراحة.
فلما وقع بصره على الشجرة وجد جوهرة، فنظر إليها ورآها كالبدر إذا أشرق.
فقال في نفسه لا بد أنها الملكة جوهرة بنت الملك السمندل، وأظنها لما سمعت بوقوع الحرب هربت وأتت إلى هذه الجزيرة، واختفت فوق هذه الشجرة، وإن لم تكن هذه الملكة جوهرة فهذه أحسن منها.
ثم بدأ يسألها عن حالها، فنظرت جوهرة إلى بدر باسم، فرأته كأنه الدر إذا ظهر من تحت الغمام الأسود.
فقالت له: “يا مليح الشمائل أنا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل، قد هربت إلى هذا المكان لأن صالحًا وجنوده تقاتلوا مع أبي، وقتلوا جنده وأسروه، فهربت خوفًا على نفسي”.
لما سمع الملك بدر باسم كلامها تعجب غاية العجب من القدر الغريب.
وقال: “انزلي يا سيدتي، فإني قتيل هواك، وعلى شأني وشأنك كانت هذه الفتنة، واعلمي أني بدر باسم ملك العجم، وأن صالحًا هو خالي، الذي أتى إلى أبيك وخطبك منه، وقد تركت ملكي لأجلك، واجتماعنا في هذا الوقت ما هو إلا من عجائب الاقدار، فانزلي حتى نذهب إلى قصر أبيك، واسأل خالى صالح أن يطلق سراحه ونتزوج في الحال”.
فلما سمعت جوهرة كلام بدر باسم، قالت في نفسها: “لقد كان هذا اللئيم السبب في أسر أبي وقتل جنوده وبعدي عن قصري، فلا بد أن أقوم بحيلة ذكية تنجيني منه”، فبدأت تخدعه بالكلام وهو لا يدري ما أضمرته له من المكائد.
طير أبيض
ثم إنها نزلت من فوق الشجرة وتكلمت بكلام لا يفهمه ثم قالت: “اخرج من هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر، أحسن الطيور أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين”.
وما إن أتمت كلامها، حتى انقلب الملك بدر باسم إلى طائر، وصار ينظر إليها.
وكان لجوهرة جارية تسمى مرسينة، هربت معها من القصر، فنظرت إليها وقالت: “والله لولا أني أخاف من كون أبي أسيرًا عند خاله لقتلته، فهذه الفتنة من تحت رأسه، ولكن يا جارية خذيه واذهبي به إلى الجزيرة المعطشة، واتركيه هناك حتى يموت عطشًا”.
لكن الجارية أشفقت عليه، فوضعته في جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، ثم رجعت إلى سيدتها.

وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم، فإنه لما أسر الملك السمندل وقتل أعوانه وخدمه، وطلب جوهرة بنت الملك فلم يجدها، ولم يجد ابن اخته، فبعث خلفه الأعوان والجواسيس إلى جهة البحر وغيره، فلم يقفوا له على خبر.
أما أمه الملكة جلنار البحرية، فإنها لما نزل ابنها بدر باسم مع خاله، انتظرته فلم يرجع إليها، فنزلت إلى البحر وذهبت لأمها، فقصت عليها ما جرى، ثم أرسلت الجدة من يفتش عليه، ورجعت جلنار حزينة القلب إلى المملكة وقد ضاقت بها الدنيا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

التعليقات