غرق مدينة درنة.. تسببت العاصفة دانيال في حدوث أضرار هائلة في مناطق عديدة في الشرق الليبي، خاصة مدينة درنة التي تعتبر أكثر المدن تضررًا في البلاد.
وقد وصفت الخسائر التي أحدثها إعصار «دانيال» في درنة، بكونها الفاجعة التاريخية الأشد دمارًا في تاريخ المدينة.
حيث لاقى أكثر من 5300 شخص مصرعهم، بينما فُقد نحو 10 آلاف شخص جراء الفيضانات بالمنطقة.
وقد أكد عثمان عبد الجليل، وزير الصحة الليبي، أن الوضع في درنة مخيف ومرعب، فهناك أماكن ما تزال معزولة تمامًا، وأحياء جرفت بالكامل إلى مناطق أخرى.
أين تقع مدينة درنة؟
تقع درنة شمال شرقي ليبيا، على بعد 250 كيلو مترًا، في شرق بنغازي.
ويحدها من الشمال البحر المتوسط ومن الجنوب تحيط بها سلسلة من تلال الجبل الاخضر الخصبة.
وتنقسم المدينة لجزئين يفصل بينهما وادي درجة، وهو مجرى مائي يأتي من قمة الجبل الى البحر بشكل منحدر.
أما بالنسبة للسدّين المحيطين بالمدينة، هما سد أبو منصور وسد البلاد، فيقعان جنوبي درنة.
ويبلغ ارتفاعهما نحو 40 متر فقط، وذلك قبل أن يتحولا إلى ركام.
إعصار دانيال لم يكن الفاجعة الأولى
تعرّضت درنة عبر التاريخ لسلسلة متتابعة من الفيضانات، خاصة عامي 1941، 1959 الأشد وقعًا على المدينة.
وفي أعقاب ذلك، أشارت العديد من الدراسات التي تم اجراؤها في ستينيات القرن الماضي، إلى ضرورة بناء السدود؛ لحماية المدينة من خطر الفيضانات التي تزداد كل عام.
وبالفعل تبنت شركة يوغسلافية الفكرة، وقامت ببناء سدّين في سبعينيات القرن الماضي.
وتم تسمية السد العلوي بـ«سد البلاد»، وتبلغ سعة تخزينه 1.5 مليون متر مكعب من المياه.
في حين أطلق على السد السفلي، اسم «سد أبو منصور»، وبلغت سعته التخزينية نحو 22.5 مليون متر مكعب.
وقد عانت درنة مرة أخرى من الفيضانات في عام 1986، إلا أن السدود تمكنت من إدارة المياه، وجنبت المدينة أضرار جسيمة هي في غنى عنها.
لماذا غرقت مدينة درنة؟
تضافرت العديد من الأسباب التي أدت إلى انهيار السدّين وغرق المدينة بشكل مأسوي منها:
1- كميات مهولة من الأمطار
أحد أهم أسباب الفاجعة الكبرى التي أدت إلى غرق مدينة درنة، هي كمية الأمطار المهولة التي لم تحدث منذ عقود.
فقد سقطت الأمطار على وادي درنة بشكل غزير، مما شكل ضغطًا كبيرًا على السدود، التي لم تحتمل وانهارت بشكل كارثي، لتتسبب في فيضان هائل أغرق أحياء بأكملها.
وصرحت إدارة السدود في وزارة الموارد المائية التابعة لحكومة الوحدة المؤقتة في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إن تدفق المياه في سدّي وادي درنة، أدى إلى إضعاف سعة السدود ومن ثم تسبب في انهيارها.
وقدرت الكمية التي ذكرتها الوزارة بنحو 23.5 مليون متر مكعب.
وقد أدى عجز السدّ الأول عن كبح الطوفان الهائل من المياه، إلى التدفق السريع لها نحو السدّ الثاني، والذي عجز عن كبحها لينفجر تاليًا.
وأكد رمضان حمزة، خبير الجيولوجيا والسياسات المائية: “إن ما حدث في درنة كان مأساويًا للغاية؛ لأن كميات الأمطار المتساقطة في يوم واحد كانت مهولة وغير متوقعة؛ لذلك انهارت السدود”.
2- السدود ممتلئة من البداية
يعود السبب الثاني في غرق مدينة درنة، إلى أن السدود كانت من البداية تحتجز كميات كبيرة من المياه.
ومع هطول الأمطار المفاجئ بهذا الشكل؛ تضاعفت كمية المياه المحتجزة، وهو ما لم تحتمله السدود، فانهارت بشكل مرعب.
3- غياب الصيانة وتهالك البنية التحتية
أحد أسباب غرق مدينة درنة يتمثل في أن السدود، تم إهمال صيانتها دوريًا، منذ 2011 حتى وقتنا الحالي.
فقد صرح أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي: “إن عدم صيانة السدّين في درنة، له تأثير واضح في حدوث الفيضانات”.
ويضاف إلى غياب الصيانة، تهالك البنى التحتية للسدّين، التي قد بنيت قبل 50 عامًا.
وذكر الدكتور السيد صبري، خبير التغيُّرات المناخية والتنمية المستدامة في مصر، أن البنية التحتية لكثير من المناطق الليبية غير مؤهلة للتعامل مع كوارث طبيعية بهذا الحجم، بالإضافة إلى صعوبة وصول فرق الإنقاذ، والفرق الطبية إلى الأماكن المتضررة.
من جهته، قال الدكتور وحيد سعودي، خبير الأرصاد الجوية والمدير السابق لوحدة التنبؤات الجوية بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، إن الخسائر البشرية، والدمار في البنية التحتية الناجم عن اجتياح «دانيال» لبعض مدن ليبيا، لم تشهده البلاد منذ عقود.
4- انعدام وجود أنظمة صرف
ومن ضمن أسباب غرق مدينة درنة انعدام وجود أنظمة صرف فعالة تساعد السّدين على العمل.
مما يجعل المناطق المحيطة أكثر أمانًا من خطر الفيضانات.
5- عدم الاستقرار السياسي وتغيير الحكومات
أدى عدم الاستقرار السياسي وتغيير الحكومات وصفقات الفساد في المنطقة، إلى إهمال صيانة المنشآت مثل السدود؛ مما عرضها في النهاية للانهيار.
كيف واجهت ليبيا أزمة غرق درنة؟
قال اللواء أحمد المسماري، مدير إدارة الإعلام والتعبئة بالقيادة العامة للجيش الليبي: “إن الفاجعة التي ضربت البلاد تمثل حدثًا استثنائيًا، ويجب على المواطن الليبي التزام التعليمات”.
وأضاف المسماري خلال مؤتمر صحفى: “أن القوات المسلحة الليبية قامت بنشر وحدات وفرق متخصصة؛ وذلك لتقديم الدعم للمواطنين”.
وتابع: “لم نتمكن من استخدام القوات الجوية في عمليتي البحث والإنقاذ؛ وذلك بسبب الظروف الجوية السيئة في المنطقة، كما أن القوات المسلحة تقدم كل ما لديها لمساعدة للمواطنين”.
وأكد المسمارى على ضرورة تكثيف الجهود في عمليتي البحث والإنقاذ.
كما قدم شكره إلى مصر بقيادة الرئيس السيسي، على كل الدعم الطبي واللوجستي للبلاد.
عواصف أخرى تعرضت لها ليبيا
ويذكر أن ليبيا تعرضت للكثير من العواصف والأعاصير خلال العقود الماضية.
من بينها عاصفة “ماكسيمو”، التي ضربت الساحل الغربي للبلاد في عام 1982، وقد تلتها عاصفة “سيلينو” في يناير 1995.
كما رصد المركز العربي للمناخ عاصفة “زيو”، التي ضربت الساحل الليبي في ديسمبر 2005.
ثم عاصفة “رولف” في نوفمبر 2014، التي وصل تأثيرها إلى الشمال الليبي.
كذلك مرت بسواحل ليبيا عاصفة “كاسيلدا” القادمة من اليونان في سبتمبر 2020.
وفي العام الذي يليه، شهدت بعض سواحل شرق ليبيا، وخاصة منطقة الحمامة، عاصفة “تورنادو” أو كما عرف حينها بالإعصار “القمعي” المصغر، لكنه مرّ بسلام على البلاد.
اقرأ أيضا:
10 أكلات تحسن حالتك النفسية والمزاجية
بالتفاصيل.. شروط حصول الأقارب على معاش المتوفي
5 أنواع للصبر تقربك من ربك.. تعرف عليها
معرض رمسيس الثاني بباريس يتخطى أكثر من 800 ألف زائر
أبو بكر بن عمر اللمتوني.. فاتح افريقيا الثاني الذي أستشهد بسهم مسوم
التعليقات