ينتشر بين حين وآخر أفعال مشينة وادعاءات كاذبة ومحاولة نسبها إلى الدين، والمتابع لما يحدث هذه الأيام من تلاعب سافر بالدين، وانتهاك بشع للأعراض، يدرك أن الناس قد فقدت عقولها، وأن الأرض أصبحت تئن من فعل الإنسان.
ظهر منذ أيام قليلة في برنامج «يحدث في مصر» مع المذيع شريف عامر، شخصاً يدعى محمد الملاح، محاسب قانوني في شركة، أعلن أنه يعمل «محلل شرعي» -كما وصف نفسه-؛ لكي لا تخرب البيوت بعد الطلقة الثالثة، ويكشف كواليس زواجه 33 مرة كمحلل للزوجات، خلال سنتين.
المهنة محلل.. وتزوجت 33 مرة
زعم «الملاح» أنه يعمل كمحلل شرعي؛ لرد المطلقات للزوج الأول مجاناً لوجه الله.. قائلاً: «عندي صفحة على الفيس بوك؛ للترويج لهذا الفعل، لإن في بيوت كتير بتتخرب، وأقوم بذلك مجاناً وبدون مقابل، لو عملت كده بمقابل يبقى بعمل حاجة غلط، ولما أعمل كده الأسرة دي بترجع لبعضها، وزواجي شرعي كامل بأركانه كافة، وكان بيتعرض عليا فلوس عشان أشيل بند إني أدخل بيها وكنت أرفض، لو عملت كده يبقى ضد الدين أساساً، وبدأت العمل كمحلل للزوجات منذ عامين، تزوجت خلالها وطلقت 33 مرة».
وتابع: «محصلش خلال 33 مرة اتجوزت فيها؛ إن واحدة اتجوزتها وقالت لا مش عايزة أرجع له وخليني معاك، ولو طلقت زوجتي وعايزة ترجع مفيش مشكلة؛ إني أوافق إنها تتجوز محلل شرعي زيي ولازم يدخل بيها».
وقال «الملاح» أثناء استضافته في «القاهرة ٢٤»، إن عمله كمحلل زي اللي بيعالج بالقرءان.. مدعياً: «أنا بجمع الأسر مش بفرق وبدون فلوس من حد.. وربنا عارف نيتي، أنا محلل علشان أحل مشاكل الناس وكله لوجه الله فقط دون أجر.. وأتحدى أى حد يقولي إني أخدت مقابل، ومراتي عارفه إني اتجوزت 33مرة وفاهمه بعمل كده ليه، الناس بتحب تنتقد الموضوع ده، وهناك حالات طلاق كثيرة في مصر، أقول للناس اللي بتهاجمني اتفرجوا على محاكم الأسرة، لما «دار الإفتاء» تقولي أوقف ده هوقفه، وهستغفر ربنا وهكفر عن اللي عملته».
واستطرد: «ليس لدي صفحات على فيسبوك، والناس بتجيلي عن طريق المعارف والعلاقات، ويطلبوا مني أعملهم خدمة، وأنا مبعملهاش غير مع اللي أعرفه، أنا بتجوز شرعي ومش بحط مدة في العقد زى ما الناس بتعمل، وأول جوازة كانت عن طريق واحدة صاحبتي، بتقول إن صاحبتها اطلقت امبارح وعايزة ترجع لجوزها، وإنه هيعمل خير لما يرجعهم لبعض، وإن أغرب سبب طلاق بين شخصين جايين علشان تحليل كان على مشتريات فطلقها، وإن أغلب الأزواج كان عندهم أولاد، وأكثر مدة زواج استمرت ١٠ أيام، وإن الناس لو عايزين ينتقدوا ينتقدوا الفكرة مش الشخص».
دور الأفلام والمسلسلات فى ظهور «المحلل» فى حياتنا
كان للتلفزيون والسينما دوراً كبيراً في هذا الأثر وتلك النتيجة الخاطئة، التي تربت في أذهان الكثير من الناس، عندما عرضت فكرة “المحلل” في أكثر من عمل درامي، ومنها: فيلم “زوج تحت الطلب” بنفس المفهوم والمعنى، الذي فعله هذا الشخص، لماذا لم يقم بسؤال دار الإفتاء قبل وقوعه في ذلك ورده بقوله إنه لوجه الله؟!.
رأى دار الإفتاء فى «المحلل الشرعي»
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن الزواج بشَرْط التحليل، وهو زواج المرأة المَبْتوتة –أي: المطلقة ثلاثًا-؛ لكي تحل للزوج الأَوَّل، حرامٌ شرعًا باتفاق الفقهاء؛ وقد صحت الأحاديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتحريم نكاح التحليل، فقد روي عن ابن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنَّ الله لَعَن المُحَلِّل والمُحَلَّل له» (أخرجه الترمذي)، والْمُحَلِّلَ هو من تزوجها ليحلها لزوجها الأول، وَالْمُحَلَّلَ له هو زوجها الأول، واللعن إنما يكون على ذنبٍ كبيرٍ.
وروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أنَّه سُئِل عن تحليل المرأة لزوجها؛ فقال: «ذاك السِّفَاح» (رواه البيهقي). والسِّفَاح؛ أي: الزنا.
رأى علماء الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية
أكّد الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، أنّ زواج المحلل حرام شرعًا.
وقال «عاشور» خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «يحدث في مصر»، إن الزواج بنية الطلاق حرام شرعًا.. مؤكّدًا أنّ شرط الزواج الصحيح هو نية الاستمرار.. مضيفًا أنّ الزواج بنية الطلاق يقلل من كرامة المرأة وأنها ليست سلعة، فهذا الزواج باطل وغير صحيح.
وشدّد مستشار المفتي، على الحاجة لقيمة نخوة الرجل على زوجته، في المجتمع.. مؤكدًا بأن المحلِّل والمحلَّل له ملعونان.
من جانبه أوضح الدكتور مختار مرزوق، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، أن زواج المحلل كبيرة، وفاعله والراضي به ملعون_ أي: مطرود من رحمة الله -عز وجل-.
واستشهد «مرزوق» على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، بما ورد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» حديث شريف رواه ابن ماجه والحاكم.. مشيرًا إلى أن سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف الإنسان الذي يفعل ذلك بأنه تَيس مستعار؛ فمَن عنده ماعز يؤجر ذكرًا يعشّر إناث الماعز، هذا الذكر تَيس، ويخشى على المستمر عليه سوء الخاتمة.
في السياق ذاته، قال الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر رداً على ذلك: «ما أعلنه محمد الملاح، أنه تزوج 33 مرة كمحلل شرعي، مش موجود في دين ربنا، فالزواج باطل وعودة الزوجة عند زواجها من محلل باطلة، واللي عمله ده لوجه الشيطان، وليس لله، وأطالبه بالتوبة لأن المحلل ملعون من الله».
وتابع «عطية» أثناء لقاءه فى برنامج «يحدث فى مصر»: «أن الأصل في الزواج الإسلامي التأبيد، ولكن هناك مراجعات أقرها الدين الإسلامي، وأباح الطلاق والرجوع لمدة مرتين، وفي الثالثة لا يجوز الرجوع بين الزوجين مرة أخرى؛ حتى تتزوج الزوجة من رجل آخر».
نصوص الشريعة فى حرمة زواج المحلل
فقد ورد فى الشريعة الإسلامية أنه إذا طلق الرجل امرأته الطلقة الثالثة؛ فإنها تحرم عليه ولا تحل له، حتى تنكح زوجاً غيره؛ لقول الله تعالى: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» البقرة/230.
ويشترط في هذا النكاح الذي يحله لزوجها الأول أن يكون زواجاً شرعياً صحيحا، ومعنى صحيحاً هنا أنه غير مدبر لمصلحة الزوج الأول، ولابد فيه من الدخول الشرعي، ولابد للعاقدين أن يكون نيتهما التأييد والحياة المستقرة، وليس فترة لترجع إلى زوجها الأول، فالنكاح المؤقت (نكاح المتعة) أو النكاح من أجل أن يحلها لزوجها الأول ثم يطلقها (نكاح التحليل)، سواء في ذلك إذا صرح بقصده عند العقد، واشترطوا عليه أنه متى أحلها لزوجها طلقها، أو لم يشترطوا ذلك، وإنما نواه في نفسه فقط؛ كلاهما محرم وباطل في قول عامة أهل العلم، ولا تحل به المرأة لزوجها الأول.
فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه قال وهو يخطب الناس: «والله لا أوتى بمحلٍّ ومحلَّل له إلا رجمتهما».
وروي الحاكم عن نافع، أن رجلاً قال لابن عمر: «امرأة تزوجتها أحلها لزوجها، لم يأمرني ولم يعلم، قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها، وإن كرهتها فارقها، قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفاحاً، وقال: لا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة».
وسئل الإمام أحمد، عن الرجل يتزوج المرأة، وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول، ولم تعلم المرأة بذلك؛ فقال: هو محلل، إذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
فلا يجوز لك أن تتزوج هذه المرأة، وأنت تريد بذلك إحلالها لزوجها الأول، وفعل ذلك من كبائر الذنوب، ولا يكون النكاح صحيحاً، بل زنا.
أما معنى كلمة «لوجه الله»: أن يكون العمل خالص لله فقط، يتفق مع الشرع والشريعة والعرف ولا يخالفهم، فكل حالات الزواج هذه باطلة؛ لأن النية واضحة، أنه زواج مؤقت للتحليل فقط، أقصى مدة أسبوع، يعني أنها محددة واقعياً، وإن لم يعلنوها بالكلام.
أما الزوج، الذي يخاف من خراب البيت وتشريد الأولاد، أين كنت قبل وأثناء وقوع الثلاث طلقات على لسانك إذا فكرت في الحفاظ على البيت بعدهم!
التعليقات