الكليم اليدوي.. السيد سمنه يحافظ على الحرفة الفرعونية من الانقراض

الكليم اليدوي.. دائمًا ما تبهرنا الحضارة المصرية القديمة بأعمالها الفريدة التي يقف الإنسان أمامها عاجزًا عن مضاهاة هذا الجمال الحي.

وإذا ما نظرنا حولنا -في أي وقت-، سنجد تراثًا زاخرًا، فمثلًا ذلك النسيج على النول المعروف بـ”الكليم”، يعود في أصله لحضارتنا الأثرية، وربما يمكنك القول أنه طاف العالم أجمع قبل أن يقف حاضرًا بين أيدينا.

ما هو الكليم اليدوي؟

النسر على النول يتدفق بين صفحات الزمان، يغير الفصول ويلون السماء.. تلك الصناعة اليدوية البسيطة أخذت شكل بساط مسطح من نسيج أصله صوف الأغنام، يتميز برسمة معينة تظهر على كل الوجهين، تزينه أشرطة ملونة أو بلون واحد.

أصل اسم الكليم

ظهرت كلمة كليم لأول مرة في اللغة الفارسية القديمة.

ثم انتقلت من خلال التجارة إلى اللغات المختلفة الأخرى، مثل اللغة العربية واللغة القوقازية.

ويطلق اسم كليم على كل أنواع البُسط عدا السجاد.

تاريخ صناعة الكليم.. رحلة حول العالم

اشتهر الكليم على مر العصور بين الحضارات المختلفة، فإذا تحدثنا عن الحضارة الفرعونية فسنجد أن أول كليم منسوج قد عُثر عليه في مقبرة الفرعون تحتمس، وكان معروفًا آنذاك باسم “غطاء الملكة”.

كما نُسج الكليم في الأناضول عام 2300 ق.م، كذلك عُثر عليه في إحدي عمليات البحث والتنقيب بطروادة.

ووجد نسيج الكليم-أيضًا- في جنوب سيبيريا، واشتهر هذا النوع من النسيج بشكل كبير في بيرو.

ارتباط نسيج الكليم بحياة البادية

يرجع تاريخ انتشار الكليم إلى البدو الذين يعيشون في آسيا الوسطى، فقد كانوا ينسجون البُسط من صوف الأغنام ويفرشونها على الأرض؛ لحمايتهم من البرودة والصقيع.

وتميزت كل قبيلة بنوع معين من الصوف، وابتكرت أنماط وزخارف خاصة بها تعبر عن معتقداتها وتقاليدها.

ما هي استخدامات الكليم اليدوي؟

يستخدم الكليم كبديل للبراويز على الحائط.

كما يستخدم في فرش الأرضيات والمقاعد وممرات الفنادق والمنازل وإقامة الخيام؛ لما يتميز به من رسومات وأشكال جميلة وجذابة.

حرفة تحارب الاندثار

إذا صوبنا نظرنا تجاه محافظة البحيرة، وبوجه أدق قرية شرنوب بمركز دمنهور، سنجد مركز صناعة الكليم في مصر.

وقد حاورت «بوابة العالم الأوسط» الحاج سعيد محمود سمنه الشهير بالسيد سمنه، ليحكي تفاصيل دقيقة عن تلك الحرفة التي أوشكت على الاندثار، وإلى تفاصيل الحوار..

بداية الاحتراف

تحدث السيد سمنة عن بداية حرفة الكليم بمحافظة البحيرة من خلال وجود مراكز للتدريب، يدربون فيها الناس ممن رغبوا في تعلم هذه المهنة، لدرجة أنه كان يوجد أكثر من 500 شخص يحترفون هذا العمل.

الكليم اليدوي

وتابع سمنة: “البعض توظف في الوظائف الحكومية، والبعض الآخر شق طريقه في هذه الحرفة كما فعلت، حيث تركت وظيفتي بمجلس القرية والتحقت بمركز التدريب حتى أتقنت صناعة الكليم وأجدتها”.

وأكمل سمنه: “استطعت الحصول على قرض من جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر ومن خلاله اشتريت أول نول”.

الكليم اليدوي

المشاركة في المعارض الدولية والعالمية

بيّن سمنه لـ«بوابة العالم الأوسط» أن انتاجه حاز على إعجاب زبائنه، ونال صيتًا واسعًا وأصبح اسمه يتردد في كل أرجاء القرية.

وأضاف الحاج سمنة أنه مثل مصر في الكثير من المعارض بدول أخرى، مثل الكويت والإمارات والبحرين وأعجب الجمهور بمنتجاته كثيرًا.

كما شارك في العديد من المعارض بالقاهرة والمحافظات، منها معرض ديارنا الذي ينظمه جهاز تنمية المشروعات الصغيرة.

واشتهر بشكل واسع بين رواد قرى الساحل الشمالي بتصنيع الكليم اللازم للشاليهات والقرى السياحية.

وكذلك مشاركته بمعرض تراثنا عن طريق جهاز تنمية المشروعات، حيث يرسلون إليه عند وجود أي معرض متعلق بمجال عمله للاشتراك به.

ويؤكد: “معرض تراثنا مفيد جدًا لتسويق المنتجات ودعم المنتجون التراثيون”.

طريقة انتاج الكليم اليدوي

كما أوضح ابن محافظة البحيرة أن مشغولات الكليم نسيج يدوي من الصوف الطبيعي المصري.

وذلك أنه يحضر صوف الأغنام، ثم يقوم بغسله، بعد ذلك يذهب إلى أحد المصانع لتحويله إلى فتلات من الخيط.

ثم تأتي عملية صباغته بالألوان، وحينها يقوم الحرفي بالعمل بها لتخرج بهذا الشكل الاحترافي.

ويضيف: “أقوم بتصميم الأشكال المختلفة للكليم، وتنفيذها بالاشتراك مع مجموعة من الشباب العاملين على الأنوال، بمقاسات وأحجام مختلفة لتلبية أذواق العملاء”.

ويشير سمنه إلى مميزات الكليم بأنه يستمر لما يزيد على 40 أو 50 عامًا، بالإضافة لكونه منتج صحي للغاية.

 

صناعة الكليم اليدوي.. هل أخذت حقها؟

يُعبر سمنه عن أسفه لكون هذه الحرفة قد أصبحت من التراث العتيق، على الرغم من التطورات التي جرت لها على مر الزمن لتظهر بشكلها الحالي.

ويضيف: “لقد كانت في البداية أشكال بسيطة إلا أننا قمنا بتحسينها وإضافة الكثير من الخواص المميزة لها، حتى تستمر وتكون قادرة على مقارعة مستحدثات الزمن”.

ويتابع: “للأسف لقد تراجعت صناعة الكليم كثيرًا خلال السنوات الماضية وذلك بسبب انتشار السجاد الصناعي، وعزوف الشباب عن تعلمها وامتهانها”.

ويوضح السعيد سمنه أن مجلس قرية شرنوب كان يحتوي على 500 نول يدوي لصناعة الكليم، لم يتبقَ منها إلا أنوال ورشته بعد انقراض المهنة بالقرية.

مشيرًا إلى أنه نجح في إعادة الكليم مرة أخرى عبر تعليم ربات البيوت في محافظة سوهاج، من خلال إحدى الجمعيات الأهلية.

ويختتم سمنه حديثه متمنيًا أن يعود الشباب للحرفة مرة أخرى، ومؤكدًا أنه على استعداد لتدريب أعداد كبيرة منهم.

التعليقات