سجاح بنت الحارث “المرأة التي ادعت النبوة”
عمرو عبدالرحيم سليمان

بقلم/ عمرو عبدالرحيم سليمان
ماجستير في التاريخ والحضارة الإسلامية جامعة الأزهر

 

 

لم يكن مألوفا في بلاد العرب أن تسود امرأة قومها، أو أن يكون لها دور مؤثر في الحياة العامة، وهذه القاعدة لم تكاد تشذ عنها إلا أمرتين في جزيرة العرب، الأولى بلقيس ملكة سبأ التي ورد ذكرها في القران الكريم في  سورة النمل، ولكن مع كونها امرأة إلا أنها كانت عاقلة، و رشيدة في حكم قومها، فكانت تسير في قومها سيرة حسنة فلها مجلس من الشورى لا تقضي أمراً  دون مراجعتهم فيه، لذلك استطاعت أن تنجو بقومها من عذاب الله، فأمنت مع النبي سليمان عليه السلام، وجعلت قومها يؤمنون بالله..  سجاح بنت الحارث.

 

أما الأخرى فهي سجاح بنت الحارث وهي  المرأة التي قادت جمعا من قومها  من بني يربوع  بعدما ادعت أنها نبية يوحى إليها من السماء ونظمت سجعا ليكون شبيها بالقران، وقد ساعدها على ذلك فصاحتها فقادت الجيوش من قومها لمحاربة الإسلام.

 

وقد دفعها لادعاء النبوة هي وبعض الطامحين من العرب، النجاح الباهر الذي حققه الرسول من نشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية، وخضوع أغلب العرب للإسلام ودخلوهم فيه أفواجا، حتى ظن بعضهم أن هذا النجاح الذي وصل إليه، إنما أمر كسبي يمكن للمرء أن يصل إليه بجهده ، ولكنهم غفلوا عن أن هذا الأمر أنما هو أمر نبوة يعطيه الله لمن اختاره، ولا يمكن للكذاب أن يصل إليه، وهذا النجاح دفع  البعض لمحاولة تقليد أمر النبوة، فظهر نفر من بعض العرب يدعون النبوة، ففي بني حنيفة باليمامة ظهر مسيلمة الكذاب، وفي اليمن ظهر الأسود العنسي، وظهر في بني أسد طليحة الأسدي، وفي بني يربوع ظهرت سجاح بنت الحارث، وكانت من النساء العاقلات الحكيمات، ذوات الفصاحة، والبلاغة، وأصالة الرأي، حتى إنها قادت أكابر قومها إلى رأيها، وتحت طاعتها وركبت على العرب في عساكر جرارة.

 

فأقبلت من الجزيرة قاصدة المدينة لمحاربة أبي بكر، و كانت هي ورهطها في أخوالها من تغلب، وأفناء ربيعة، حتي جاء معها الهذيل بن عمران من بني تغلب وكان نصرانيا فترك دينه وتبعها، وعقبه بن هلال في النمر، وزياد بن بلال في أياد، والسليل بن قيس في شيبان، وأظهرت لهم أنها أُنزل عليها سورة مِثل القرآن، فمنها: “يا أيها المتَّقون لنا نصفُ الأرض، ولقريش نصفها ولكن قريش يبغون” فتبعها بنو عمّها بنو تميم، وأخوالها بنو تغلب وبنو ربيعة، وعظُمتْ عندهم، وكثرت جيوشها واشتهرت بين الناس، وأظهرت دعوتها وقصدت مُسيلمة الكذّاب، وكان يقيم  في اليمن ، ولكن وقومه بنو حنيفة وكان مسيلمة قد وفد مع وفد بني حنيفة الذي وفد على النبي بعد فتح مكة، وأسلم الوفد وتخلّف مسيلمة في الرحال خارج مكة وهو شيخ هرم كبير السن، ولما رجع الوفد ادعى مسيلمة النبوّة، وتوفي رسول الله قبل القضاء على فتنة مسيلمة، وقد اجتمع حوله جماعة في اليمامة فلما سألت سجاح عنه وعلمت قوة جهزت عدة من تبعها وقد بلغ تعداد جيشها أربعون ألفا فلما دخلت عليه سلمت عليه بالنبوة فقالت له : (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَمْرُكَ، وَسَمِعْتُ بِنُبُوَّتِكَ، وَقَدْ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، وأحببت أنْ أَتزَوج بِك. ولَكِنْ أَخْبِرْني ما اّذي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. فقال المسيلمة: أُنْزِلَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ،  وَلا تَبْرَحْ هَذَا الْبَلَدَ، حَتَّى تَكُونَ ذَا مَالٍ وَوَلَدٍ، وَوَفْرٍ وَصَفَدٍ، وَخَيْلٍ وَعَدَدٍ، إِلَى آخِرِ الأَبَدِ، عَلَى رَغْمٍ مِنْ حَسَدٍ»  وطلبت سحاج من مسيلمة أن يتزوجها حتى يضيف قوة إلى قوة فقالت: هل لك ان تتزوجني حتى نأكل العرب، ثم شهدت له بالنبوة وزوجته نفسها فقالت: (إِنَّكَ نَبِيٌّ حَقًّا وَقَدْ رَضِيتُ بِكَ، وَزَوَّجْتُكَ نَفْسِي، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لِي صَدَاقًا يُشْبِهُنِي).. سجاح بنت الحارث

 

وكان قوم سجاح قد سألها عن صداقها الذي تزوجت به مسيلمة، فذهبت سجاح إلى مسيلمة لتسأله عنه فقالَ: مسيلمة: (فإِني قَدْ فعلت ذلك) ، ثُم دعا بِمؤذِّنه فقال:(نَادِ  فِي قَوْمِ هذه الْمرأة: أَلا إِنَّ نبِيَّكم مسَيلِمة قدْ رفع عنكم صلاتَينِ من الخمسِ الَتي جاءَ بِها محمد بن عبد اللَّه، وهي صلاة الفجرِ وصلاة العشاء الأخيرة) . فقالت سجاح: (أشهد لَقد جِئت بِالصواب) . وقد ذكر عدد من المؤرخين في مؤلفاتهم مجموعة من الأشعار القبيحة المنسوبة لها، ولمسيلمة تحمل تعبيرات قبيحة غير أن هذه الأشعار لا يصح منها شيء ولكن وضعها الرواة بعد ذلك ليضفوا على قصة الزواج شيئا من الإثارة والتشويق.. سجاح بنت الحارث

 

وبزواج مسيلمة من سجاح ضمن مسيلمة قوة جديد تنضم إلى قوته، حتى يتفرغ لقتال جيوش المسلمين التي كانت بدأت في حربه، ولكنها مع تقدم الجيوش الإسلامية صوب اليمامة بقيادة خالد بن الوليد رأت سجاح أن مسيلمة لن يقوى على قتال المسلمين فجمعت أغراضها هي وقومها، وذهبوا إلى الجزيرة وأقاموا، والجزيرة تقع بين نهري دجلة والفرات ، وهي قريبة من الشام، وبها في بني تغلب، وربيعة وهم أخوالها، كما أن بني تغلب وبني ربيعة قد تبع جماعة منهم سجاح، فرأت سجاح أن الجزيرة هي أكثر الأماكن أمنا لها ولقومها فذهبت إليه.. سجاح بنت الحارث

وقد عملت سجاح على الاختفاء عن الأنظار، فلم يكد يذكر التاريخ لها  دورا بعد ذلك، إلا أنها  أسلمت وهي في الجزيرة، وحسن إسلامها، وظلت في الجزيرة حتى هاجر قومها إلى البصرة، فهاجرت معهم، واختفت عن الأنظار حتى توفيت عام 55هـ في البصرة، وصلى عليها والي البصرة سمرة بن جندب لتوطى بذلك صفحة المرأة التي ادعت النبوة في جزيرة العرب  فرحمها الله رحمة واسعة

 

التعليقات