أعدته للنشر: مريم محمد إسماعيل
بينما كنت أسير يومًا في شارع المنصورية بحي الجمالية في منطقة الدرّاسة لفت انتباهي لوحة كبيرة على إحدى المحلات بالمنطقة مكتوب عليها «تكية الرحمن.. كُل ببلاش»..
فاندهشت مما قرأت على تلك اللوحة فتوجهت فورًا نحو هذا المحل حتى أعرف حقيقة المكتوب على تلك اللوحة، هل محل تكية الرحمن يوزع الأكل بالمجان حقًا أم أنها دعاية لأحدى المحلات الجديدة؟!
وما حكاية تكية الرحمن التي لفتت الأنظار حولها في الفترة الأخيرة، بجملتها الشهيرة «تكية الرحمن كل ببلاش».
وفي محاولة للوصول لجواب شافٍ، التقت بوابة «العالم الأوسط» بالأستاذ تيسير عبد الحميد المدير العام لمؤسسة تكية الرحمن للأعمال الخيرية، وإلى تفاصيل الحوار..

نظرة على تكية الرحمن
قال تيسير عبد الحميد، المدير العام لمؤسسة تكية الرحمن للأعمال الخيرية: “بدأت فكرة «تكية الرحمن» منذ 3 سنوات عن طريق أحد أصدقائي، فكنا دائمًا نفكر في افتتاح مطعم لتقديم الطعام بشكل مجاني، وجعل العمل خالصًا لوجه الله -تعالى-، فأخذ صديقي يبحث عن مكان مناسب، واختار لنا المحل في حي الدراسة، وبعد ذلك فكرنا في اسم يعتاد عليه الناس ويكون سهل الحفظ، فاخترنا تكية لأن الناس يعلمون أنها تقدم شيء مجاني، والرحمن ليكون العمل لوجه الله -تعالى-“.

وأضاف «عبد الحميد» أن هؤلاء هم من يطلق عليهم قوله -تعالى-: ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً”.. متابعًا: «في البداية قدمنا 150 سندوتش كبدة وسجق، وكنا متوجسين خيفة ألا يتقبل الناس الفكرة، فأذكر أن صديقي قال لي يومًا أنه خائف ألا نستطيع إكمال العمل، ولكني أخذت أطمئنه وأخبره أن التوفيق من عند الله وعلينا أن نبذل ما في وسعنا، وحقًا لم يكن عملنا سدىً لقد رحب الناس بالأمر كثيرًا؛ لدرجة أن الفكرة بدأت تنتشر على الفيسبوك، ونفاجأ ذات يوم بعربة نقل تقف أمام المحل، تحمل فراخ ولحمة وأرز ليبدأ مشروعنا يكبر خطوة بخطوة».

وأشار تيسير في حواره مع «العالم الأوسط»: “لقد واجهنا معوقات في البداية، فكانت السندوتشات في اليوم الواحد تساوي حوالي 600 أو 700 جنيه؛ ليبلغ الشهر مقدار 25 ألف جنيه، فكان الرقم كبير بالنسبة لنا كبداية، بالإضافة لأجور العاملين وإيجار المحل”.
وأكمل قائلًا: “ولكن بفضل الله تعالى تمكنا من تجاوز الأمر، كما أن الفكرة بدأت تعجب الناس وتطوع معنا أكثر من شخص؛ فبدأنا بتعيين الطباخين وقدمنا وجبات كاملة، كانت بناء على المتوفر كل شهر، وتتكون من فراخ أو لحمة وأرز وخضار وبطاطس”.

واستطرد: “أصبح لنا اسم قانوني، وسُجلنا في وزارة التضامن الاجتماعي، والحمد لله استطعنا أن نصل اليوم لـ 5 فروع الفرع الرئيسي في الدراسة، وفرع في الزاوية الحمراء، وفرع أمام سيدنا الحسين، وفرع في السيدة زينب، وفرع في شارع السلام بشرم الشيخ، ووصلنا حاليًا لتقديم 1200 وجبة في اليوم في الـ 5 فروع، كل فرع يقدم حوالي 350-400 وجبة، وبعض الفروع تقدم 200 وجبة”.

وعن فترة كورونا قال: “كانت فترة كورونا من أكثر الفترات الصعبة التي مررنا بها، حيث كان ممنوع التجمهر وكثرت البطالة، وكنا نريد أن نساعد الأسر المحتاجة؛ فبدأنا بعمل فريق متطوع نوزع الطعام على الناس في المنازل، وبالنسبة لمن يأكل في المحل كنا نقدم من 500 إلى 600 وجبة يوميًا، على مرتين مرة بعد الظهر ومرة بعد العصر”.
وسرد تيسير عن الفرع الجديد في شرم الشيخ: “أردنا أن نساعد في حل مشكلة البطالة في فترة كورونا، وخاصة قطاع السياح الذي نال من ذلك قدرًا وافيًا، فكان لنا صديق يمتلك مطعم بشرم الشيخ عرض علينا تخصيص جزء من مطعمه لتكية الرحمن، وبالفعل قمنا بافتتاح فرعنا الجديد بشارع السلام بشرم الشيخ”.

وتابع تيسير معقبًا: “نقدم في تكية الرحمن طعامًا متنوعًا، فهناك أيام يكون الطعام بها فتة ولحمة وأرز، وأيام أخرى يكون فراخ وخضار وأرز بالشعرية، ويعود ذلك إلى الخامات المتوفرة لدينا”.
وأكمل تيسير: “يكون هناك جرد شهري نحدد به الخامات المتوفرة لدينا، والخامات التي نحتاج إليها؛ وبناء على ذلك نحدد آلية العمل في الشهر الجديد”.
أختتم تيسير حواره لـ«لعالم الأوسط»: “أدعوا جميع الناس للمشاركة معنا في التنظيم أو التغليف أو التوزيع، سواء بشكل مادي أو معنوي، فبابنا مفتوح للجميع”.

من جانبه.. ذكر الشيف محمد فرحات: “أعمل في تكية الرحمن منذ 3 سنوات، كنت سابقًا أعمل في فروع جروبي بمدينة نصر ووسط البلد والنادي الأهلي وغيرها من الفروع الأخرى، لكني هنا لأساهم كشيف في هذا العمل الرائع، أقدم الوجبات المكونة من أرز بالشعرية وخضار وفراخ أو لحمة، ويبدأ عملي من الساعة 9 صباحًا حتى 5 مساءً لمدة 6 أيام، وتكون أجازتنا يوم الأحد”.

الأصل التاريخي للتكية
كثيرًا ما نسمع كلمة «تكية» في أحاديثنا المتبادلة، وكذلك في الأمثال الشعبية المختلفة، لتصف مكانًا يقدم شيء بطريقة مجانية، ولكن ما هو أصلها؟ وكيف نشأت قديمًا؟ وما التطورات التي مرت بها؛ لتصل على ما هي عليه حاليًا؟
على الأصل دور
كلمة تكية لغويًا تشير إلى الاتكاء والراحة والاسترخاء، وأطلق اسم «تكية» قديمًا على مكان خاص للمنقطعين للعبادة من المتصوفين، فكانت بمثابة منشأة دينية حلت محل الخنقاوات المملوكية في العصر العثماني، ولكن كانت تقوم بدور إضافي وهو تطبيب المرضى وعلاجهم، لكن لم يدم الأمر طويلًا، لتصبح مكانًا خاصًا لايواء العاطلين من العثمانيين المهاجرين إلى الدول الغنية، مثل مصر والشام.

التكية تحصل على لقب المجانية
أهتمت الأوقاف بالتكية وخصصت لها رواتب شهرية؛ ولهذا سُمي محل إقامة الدراويش والتنابلة تكية؛ لأن أهلها متكئون معتمدون في أرزاقهم على المرتبات التي تصرفها لهم التكية، واستمر الإنفاق على «التكية» من قبل سلاطين آل عثمان وأمراء المماليك وكبار المصريين.

جولة بداخل تكية مصرية
والتكية عبارة عن صحن مكشوف يأخذ الشكل المربع، تحيط به من الجوانب الأربعة أربع ظلات، كل ظلة مكونة من رواق واحد، وخلف كل رواق توجد حجرات الصوفية السكنية، وهذه الحجرات دائمًا ما تتكون من طابق واحد أرضي.

عادت إليكم من جديد
ليمر الزمن وتندثر فكرة «التكية» عن الأعين وتغيب ذكراها عن الأسماع، لكن وعلى حين غرة تظهر تلك العبارة على أحد المحال في حي الدراسة، «تكية الرحمن كل ببلاش»؛ لتبدأ التساؤلات تفيض كالسيل على الألسنة، هل عاودت التكية الظهور من جديد؟ وهل هي بالمعنى المعروف قديمًا أم غير بها تقلب الأزمان؟
تكية يحفظها الزمان
ومن أشهر التكايا العثمانية في مدينة القاهرة، التكية السليمانية التي أنشأها الأمير العثماني سليمان باشا عام 950هـ بالسروجية، والتكية الرفاعية 1188هـ ببولاق، وهي تخص طائفة الرفاعية الصوفية، ولعل من أشهر التكايا العثمانية والتي ما زالت مستخدمة إلى الآن، حيث يشغلها مسرح الدراويش هي تكية الدراويش “المولوية” نسبة لطائفة الدراويش المولوية إحدى الطوائف الصوفية العثمانية، ومسرح الدراويش تابع لقطاع المسرح بوزارة الثقافة المصرية.

التعليقات