نبش قبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بين الحقيقة والأسطورة  
عمرو عبدالرحيم سليمان

بقلم/ عمرو عبدالرحيم سليمان
ماجستير في التاريخ والحضارة الإسلامية جامعة الأزهر

تحتوي بعض الكتابات التاريخية الإسلامية على بعض القضايا الشائكة، والتي تجعل الفرد المسلم يقف أمامها متعجبا من غرابة هذه الأخبار، وعن مدى صحة هذه الأخبار من عدمها، وهل يمكن أن تكون هذه الأحداث قد وقعت بالفعل، أم أنها دسائس دست في التاريخ الإسلامي لتحط من قدره في نظر أبناءه، ولعل تسرب مثل هذه الأخبار إلى الكتابات التاريخية مرده إلى أن المؤرخين الأوائل لم يهتموا بنقد وفحص هذه الروايات، إنما وضعوها في مؤلفاتهم تاركين للقارئ مهمة التثبت من صحتها من عدمه، وهذ ما نوه عليه الإمام ابن جرير الطبري ت 310هـ في مقدمة كتابة تاريخ الأمم والملوك([1])

ومن هذه الأخبار الغربية نبش قبر الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية من جانب العباسيين بعد قضائهم على الدولة الأموية عام 132هـ /749م وذلك في محاولة للتشفي منه، ومن الأمويين ثأرًا لآل البيت بعد النكبات التي لحقت بهم في زمن الدولة الأموية، فيذكر عدد من المؤرخين أن عبدالله بن علي عم الخليفة أبو العباس ت136هـ حين قدم دمشق قام بنبش قبور الخلفاء الأمويين معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد وعبدالملك بن مروان والوليد وهشام بن عبد الملك ([2])

 

ولعل الشواهد التاريخية تكذب هذه الدعاية فالمسعودي ت346هـ في بداية ترجمته لمعاوية بن أبي سفيان في كتابه مروج الذهب يذكر أن قبر معاوية لازال موجوداً عند باب دمشق الصغير، وأن قبره تزوره الناس إلى وقته وذكر ذلك في عام 332هـ944م  وأنه موجود عند باب المقبرة الصغيرة  ([3]) كما ذكر صاحب كتاب النجوم الزاهرة في حوادث عام 270هـ 883 م أن أحمد بن طولون حاكم مصر والشام قد بنى على قبر معاوية بن أبى سفيان أربعة أروقة، ورتّب عند القبر أناسا يقرءون القرآن ويوقدون الشموع عند القبر([4])  وكذلك ذكر ابن الجوزي فقال: بنى أحمد بن طولون أربعة أروقة على قبر معاوية بن أبي سفيان، وأمر أن يسرج هناك، وأجلس أقواما معهم المصاحف يقرءون القرآن([5])  كما أن الرحالة بن بطوطة يذكر في كتاباته أنه زار وشاهد قبر معاوية بن أبي سفيان، وأن قبره يقع  عند الباب الصغير، وباب الجابية بدمشق رحلة ابن بطوطة كانت في منتصف القرن الثامن الهجري(6) ويمكن أن يبنى على هذا أن قبر معاوية ابن أبي سفيان ظل كما هو، ولكن عوامل الزمن قد طمست هذا القبر فلم يعد غير موجود، كما أن هذه الحادثة ليس لها شبيه، أو مثيل في التاريخ الإسلامي في نبش قبور الأموات، على أنه لا يوجد في كتابات أصحاب المذاهب والعلماء وهم الذين لم يكن ينقصهم الشجاعة، وإنكار الباطل ما يؤيد وقوع هذه الجريمة النكراء([6]) هذا من جانب البحث التاريخي .

 

أما من جانب المنطق العلقي فماذا سيستفيد العباسيون من نبش قبور الخلفاء الأمويين الذين أصبحوا جزء من الماضي؟ وما هي الفائدة التي ستعود عليهم من التعدي على حرمة الأموات؟

لاشك أن العباسيين كانوا أذكى بكثير، فهم لن يعملوا عن وضع صورتهم في عيون المسلمين، بوصفهم منتهكي حرمة الأموات، فهذه دعاية لاشك أنها ستأخذ عليهم وستكون نقطة سوداء في تاريخهم، وبعد هذا العرض نخلص إلى أن ما ذكره بعض المؤرخين في كتاباتهم ما هو إلا نوع من الزيف والدس، الذي تسرب لبعض الكتابات التاريخية دون أن يكون لها سندا حقيقيا، فإذا كان أعداء الإسلام قد وضعوا الأحاديث ونسبوها للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ  كذبا أليس من السهل عليهم أن يطعنوا في تاريخ دولة عظمية من دول الإسلام كالدولة العباسية.

 

مصادر المقال

1-  الطبري: تاريخ الأمم والملوك جـ1 صـ 7.

2-  ابن الأثير: الكامل جـ5 صـ23 ابن عساكر جـ53 صـ127 ابن كثير: البداية والنهاية جـ10 صـ45

3-  المسعودي: مروج الذهب، جـ3، صـ11 .

4- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة جـ3 صـ59.

5- ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملك والأمم جـ 12 صـ229

6- ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار جـ1 صـ320

7- إبراهيم شعوط: أضاليل وأباطيل، صـ448 .

التعليقات