العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

العرق دساس

 

 

يمتلك كل شعب طابعًا خاصًا يَصبغ به أفراده، فتجد الأمثال التي تجمع خلاصة الفرد في الحياة.

وما أتخذه أسلافنا رافدًا لحديثهم يكتسب جمالًا كلما قل ودل.

فمقولة مثل “العرق دساس” ربما أنت سمعتها في أكثر من محفل.

ولكن ماذا تعني؟ وكيف ظهرت؟ وما علاقة الفرس التي رضعت من البقرة بأصل هذا المثل؟

 

 

نحن مثلهم ولو بدونا مختلفين

“العرق دساس” إنها المقولة التي تُردد بعد فعلة قبيحة فعلها أحدهم وقلما يكون الأمر خيرًا.

وتعني أن الأصل الحقيقي لا بد أن يغلب في النهاية، فعرق الوراثة يصل من السلف إلى الخلف.

الصفات والطباع التي نراها ونلمسها في الشخص، ليست كلها منه أو من تربيته أو مكتسبة من بيئته الحاضرة.

ولكنها جاءته من عرق قديم لأجداده؛ فأثرت في تصرفاته أو صفاته مثل: حبه للكرم والشجاعة والصفات الجسمية والعقلية، ولكن هذه الصفات ليست شاملة لكل سلوك مكتسب.

 

يقول الشاعر ملفي الحنيني:

نسدد فواتير الوفاء من غلا وإحساس.. راع الطيب ما نجحد جميله ومعروفه

ابن عم وإلا من بعيد العرب والناس.. رجال ما تلحق طيبتها منّ وحسوفة

 

 

يقولون بالأمثال “عرق النسب دساس”.. وأنا شوف عيني مثل ما غيري يشوفه

عروق الندى تندي لو أوراقها يباس.. على مختلف دورات الأيام وظروفه

 

قصة العرق دساس

ذات يوم دخل رجل غريب إحدى البلدان وأخذ يصيح بعلو صوته:

“أنا سياسى اُحل المعضلات والمشاكل بين الدول، وبين العشائر، وبين الشخصيات، واُصالح المتخاصمين أنا سياسى”.

فوصل خبره للملك الذى سرعان ما أمر بإحضاره ليمتثل واقفًا أمامه فقال له الملك: “أأنت سايس؟” فنفى الرجل معارضًا: “لا، أنا سياسى”.

العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

 

فقال الملك بغضب: “لقد وصلنى أنك سايس، وأنا أريدك أن تسوس فرستى، وعليك أن تفعل وإلا أعدمتك”.

فما كان من الرجل إلا أن أذعن لأوامر الملك وتسلم الفرس، فأخبره أحد الخدم: “هذه الفرس أعز على الملك من روحه فاحذر أن تخبره بعيوبها وإلا أعدمك”.

العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

 

فتوسل الرجل من الملك أن يعفيه، ولكن الملك قد قضى أمره إما أن يسوس الفرس وإما يعدم، ثم أمر بتحضير غرفة وفراش للرجل وأن يحضروا له مرق وأرز.

العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

 

بدأ السايس عمله ولكنه بعد عشرين يوما هرب؛ فأمر الملك الحرس أن يبحثوا عنه.

وحالما عثروا عليه احضروه الملك فسأله: “لماذا هربت؟ هل وجدت عيبا فى الفرس؟”.

 

الفرس رضعت من بقرة

خاف الرجل أن يتكلم فأعطاه الملك الأمان فقال له: “هذه الفرس أصيلة، وكل من أخبرك بأنها رضعت من أمها الأصيلة؛ اسمع ولا تصدق”.

أشهر الملك سيفه فى وجه الرجل وقال: “كيف تجرؤ على أن تقول ذلك؟”.

ثم أمر برميه فى السجن ومنع عنه الطعام، وأرسل فى طلب الوزير الذى أهداه الفرس وسأله قائلا:

“كيف تعطينى فرس أصيلة لم ترضع من أمها؟!

خر الوزير متوسلًا: “يا مولاى، سامحنى، لقد ماتت الأم عند الولادة ولم يوجد سوى بقرة فى الحظيرة؛ فرضعت منها الفرس”.

أمر الملك بإخراج الرجل من السجن وسأله: “أخبرنى كيف عرفت أن الفرس لم ترضع من أمها؟”.

قال الرجل: “يا مولاى، الفرس الأصيل تأكل فى معلف أو تعلقه فى رقبتها وهى مرفوعة الرأس، أما فرسك فهي تبحث عن الطعام فى الأرض مثل البقر”.

 

زوجة الملك ابنة الغجر

اقتنع الملك بكلام الرجل وأمر بإعطاؤه دجاجًا ومرقًا، ثم طلب منه أن يسوس زوجته.

توسل الرجل بالاعفاء ولكن الملك لم يأبه لذلك، ثم أرسل لزوجته بأنه منذ اليوم سيكون لها خادما جديدًا يلبي لها أوامرها.

العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

 

وتسلم الرجل المهمة وبعد فترة من الزمن هرب مرة أخرى، فأعاده الملك وسأله:

“ماذا وجدت؟”، كالعادة رفض الرجل أن يتحدث حتى يعطيه الأمان.

ثم قال: “زوجتك يا مولاى، تربية ملوك وشرف ملوك وكرم ملوك وأخلاق ملوك، لكن من قال لك أنها ابنة ملوك اسمع ولا تصدق”.

جن جنون الملك ورمى الرجل فى السجن، وأسرع إلى والدي زوجته -وكانا ملوك البلد المجاورة- وسألهم عن الأمر.

فأجابه والدها: “لقد كانت ابنتي لك وأنت لها منذ أن كان عمرها عامين، واتفقنا على ذلك مع والدك، لكن أُصيبت ابنتي بالحمى وماتت.. وكان ابوك ملك ظالم؛ فأمرنا فى هذا العام أن نجلي الغجر عن المدينة؛ ففعلت ذلك ولكن وجدتهم تركوا طفلة صغيرة، اخذتها وربيتها كأبنتي وهي زوجتك”.

عاد الملك وأخرج الرجل من السجن وقال له: “كيف عرفت بالأمر؟!”.

أجاب الرجل: “إن لها غمزة بعينيها يا مولاى، وهذه عادات الغجر يتغامزون عندما يتكلمون”.

فقال له الملك: “أنت داهية حقًا، وأمر بإطعامه خروف في الفطور، وخروف في الغداء، وخروف في العشاء”.

 

الملك ابن الطباخ

وطلب منه أن يسوسه شخصيًا؛ اضطرب الرجل وأُصيب بالهلع واحتار وتوسل لكن دون جدوى، وعندما تسلم الأمر.

هرب من ليلته فأعاده الملك وسأله وبعد إلحاح كبير، أجابه الرجل: “من قال لك إنك ابن ملك، اذهب وابحث عن أصلك”.

سارع الملك إلى أمه وسأله فأجابته بعد أن استحلفها قائلة:

“كان أبوك ملك ظالم ولا يُنجب، يتزوج البنت وبعد ٩ أشهر إن لم تنجب يعدمها.

فقضى على نصف بنات المملكة، حتى جاء دوري فلم يكن أمامي سوى أمرين، إما الولد أو الذبح، فكان هناك طباخ فى القصر فأنت ابنه”.

 

العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي
العرق دساس.. 3 قصص عجيبة للمثل الشعبي

 

عاد الملك إلى الرجل وسأله: “كيف عرفت؟!”، أجابه الرجل:

“من شيم الملوك يا مولاى، أنها عندما تكافئ تُعطي ذهبًا وفضة؛ أما أنت فتعطي مرقًا ودجاجًا وخرافًا، وهذا من شيم الطباخين؛ من يرضى عنه يعطيه الطعام، ومن يغضب عليه يمنع عنه الطعام، فالعرق دساس يا مولاى”.

وحتى الآن مصير هذا الرجل مجهول.

 

موقف الإسلام من هذه القضية

قال -صلى الله عليه وسلم-: “تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم” حديث صحيح الإسناد.

2- وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب الأكفاء، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد قال: حدثنا الحارث بن عمران الجعفري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم”.

 

 

3- وابن أبي شيبة في المصنف -كتاب النكاح، من كان يحب أن يتخير في التزويج ومن كان لا يفعل.

قال: حدثنا أبو بكر قال: أبو معاوية، عن مختار بن مسيح، عن قتادة، عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “تخيَّروا لنُطَفِكم”.

المعجزة النبوية 

فهل كان الرسول يعلم أن هناك عناصر وراثية يرثها الطفل من والديه؟ بالطبع لا، بل قال عن وحي من العليم الخبير.

وهو ما أثبته علم الوراثة الحديث أن الطفل يكتسب صفات أبويه الخلقية والعضوية والعقلية.

حيث إن في كل خلية من خلايا الجسم عددًا ثابتًا من أجسام صغيرة تسمى “كروموسومات” تحمل عوامل وراثية مسئولة عن الصفات التى تظهر في الإنسان.

حيث إن هذه الكروموسومات هي ما تنقل عليه صفات النوع من جيل إلى جيل آخر.

وقد يكون تأثير العامل الوراثي خافيًا مستترًا، فيطلق عليه في هذه الحالة العامل الوراثي الكامن أو المتنحي.

حيث إن علم الوراثة الحديث يؤكد أن الشبه بين المولود ووالديه قد يكون غير ظاهر، بل بعيدًا كل البعد عن كلا الأبوين.

كما حدث لرجل من قبيلة بني فرازه فروي “أنَّ أعْرَابِيًّا أتَى رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ: إنَّ امْرَأَتي ولَدَتْ غُلَامًا أسْوَدَ، وإنِّي أنْكَرْتُهُ، فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ لكَ مِن إبِلٍ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَما ألْوَانُهَا؟، قالَ: حُمْرٌ، قالَ: هلْ فِيهَا مِن أوْرَقَ؟، قالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قالَ: فأنَّى تُرَى ذلكَ جَاءَهَا، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، عِرْقٌ نَزَعَهَا، قالَ: ولَعَلَّ هذا عِرْقٌ نَزَعَهُ، ولَمْ يُرَخِّصْ له في الِانْتِفَاءِ منه”.

أما مقولة “تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس” الصحيح منها هو الجزء الأول فقط كما تم ايضاحه ولم يرد العرق دساس في نص الحديث.

التعليقات