
هل اخبرك بوسيلة للتواصل لا تحتاج منك قول أية كلمة إنها لغة الزهور، التي بامكانها ايصال كلماتك في لمح البصر دون اي عناء، وفي الحقيقة هذه الطريقة ليست وليدة عصرنا الحديث، بل لها جذور ضاربة في القدم ترجع إلى العصور القديمة ق.م، حين كانت تستخدم كوسيلة تواصل بديلة عن الكلمات.
بلاد الرافدين.. أكاليل من الزهور في قبر امرأة جميلة
ويرجع تاريخ ظهور إيماءات ومعاني الزهور إلى حضارة بلاد الرافدين، حيث عُثر على قبر امرأة -يعود إلى 45- 60 ألف عام ق.م-، وكان يحوي مجموعة من أكاليل الزهور الملونة وبعض المقتنيات الخاصة.
ويدل هذا بطبيعة الحال على معرفة الإنسان القديم للغة الزهور، والمعاني التي تحملها كل زهرة، وأنهم كانوا يستخدمونها كوسيلة تواصل قديمة قبل ظهور الكتابة.
الحضارة الفرعونية.. فكرة الزهور على الطاولة ورموز الكتابة الهيروغليفية
عشق المصريون القدماء الزهور، فكانوا لا يستغنون عنها في أي مناسبة كانت، فتراهم يحملونها في المواكب والاحتفالات والانتصارات، وينقشونها في الأحجار، ويزخرفون بها جدران المعابد؛ ولهذا شكلت جزء من رموز الكتابة الهيروغليفية.
وفي زمن الحضارة الفرعونية وقبل أكثر من 2500 عام ق.م، كان المصريون القدماء أصحاب فكرة وضع الزهور في زهريات على الطاولة، كذلك كانوا يفهمون معنى كل زهرة ويتبادلونها وفق لمعانيها.
لغة الزهور على مر العصور التاريخية
توارثت الحضارات اللاحقة معاني وايماءات الزهور، فكانت لغة الزهور كالسندباد المتنقل بين البلدان، يرسو في كل بلد حينًا وينشر عبقه على أهلها، ثم يرتحل إلى الأخرى ويفعل معها كمثيلاتها، حتى أصبحت شيء أساسي، ومعرفتها أمر لا بد منه خاصة إذا كنت في العصر الفكتوري.
انتقلت لغة الزهور إلى الحضارات الصينية والرومانية والاغريقية والبيزنطية والإسلامية، وكان لكل حضارة لمحتها الخاصة، وأخيرًا آل بسندباد أن يستقر قليلًا في أحد البلاد، ليكون الاستقرار في أوروبا لا سيما العصر الفيكتوري في الفترة ما بين عامي (1820-1901م)، لترى لغة الزهور حياة أخرى بلون جديد غير التي عهدتها سابقًا.
العصر الفكتوري.. الازدهار الحي
نبع الاهتمام الحقيقي للعصر الفكتوري الحديث بلغة الزهور من العصر العثماني، وبصفة خاصة بلاط ملك القسطنطينية الذي كان مهوسًا بزهرة الخزامي خلال النصف الأول من القرن 18، وبجانب ذلك اهتمام الشعب الفكتوري بالنباتات ومعرفتهم الواسعة عنه؛ ليزدهر على إثرها استخدام الزهور كوسيلة رقيقة للتواصل.
ومن أكبر أسباب اهتمام الشعب الفيكتوري بها، أن الملكة فيكتوريا فرضت مجموعة من القواعد التي تحظر بعض السلوكيات والآداب، فكان من الصعب على البعض إيصال عواطفهم بشكل علني؛ لذلك اتجهوا إلى إيصال رسائلهم عبر باقات من الزهور أو الرسومات.
انتشرت تلك اللغة الفكتورية الخاصة على نحو واسع، بعد نشر كتاب “لغة الزهور” للكاتب “شارلوت دي لا توغ” عام 1819م، والذي يقول فيه الكاتب:
“إذا أعطاك أي شخص زهرة أو باقة من الزهور، حاول أن تفك رموزها وكأنها رسالة سرية، فمثلًا ورد الجوري يرمز للحب، بينما الليلا ترمز للجمال، وباقة من الزهور يمكن أن تحمل العديد من الأفكار، وزهرة واحدة ترسل ألف كلمة، ومن رحيق الزهور يتعطر الجسد وأيضًا الروح”.
لذلك كان أغلب الشعب الفيكتوري يتبادلون الرسائل التي لا يستطيعون التعبير عنها بواسطة الزهور، ودائمًا تجدهم يحملون معجم صغير يدعى “بطاقات الزهور الناطقة”، وكثرت المعاجم والقواميس التي تقدم شرحًا وافيًا لها.
لغة الزهور.. كتب ومقالات حول العالم
ازدهرت شعبية لغة الزهور في فرنسا ما بين عامي (1850-1810)، وانتقل هذا الازدهار إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 1850-1830)، حيث كان أول ظهور لمطبوع يتحدث عن لغة الزهور على يد كاتب الرويات الأمريكي ذو الأصول الفرنسية “قصطنطين صاموئيل رافانسك”، في مقالاته “The School of Flora” والتي كانت تنشر في عمود أسبوعي، وتتحدث عن أجزاء النباتات وأسمائها الإنجليزية والفرنسية، ووصف للنبتة وشرحًا وافيًا لمعناها اللاتيني ومعناها بلغة الزهور.
ثم انتقلت إلى بلجيكا وألمانيا ودول أوروبية أخرى وكذلك دول أفريقية، وأصدرت دور النشر مئات من الطبعات تتحدث عنها في القرن 19.
ما بين جنبات الفن والأدب
من ناحية الأدب استخدم كل من وليم شكسبير، وجين أوستن، وتشارلوت، وإيميلي برونت، وأبناء الكاتب فرنسيس هوجسون برنيت، لغة الزهور في كتابتهم، وبصفة خاصة شكسبير الذي استخدمها في هاملت وأمير الدنمارك، وذكر كلمة “زهرة” أكثر من 100 مرة في مسرحياته.
وشرح شكسبير في مسرحيته هاملت المعاني الرمزية لكل من زهور الروزماري وزهرة الربيع وزهرة البنفسج، كما ذكر في مسرحية حكاية الشتاء أن الأميرة بيرديتا تتمنى أن تمتلك زهرة البنفسج والنرجس والربيع؛ لتصنع باقات لصديقاتها.
ونشرت الكاتبة فينيسا ديفيتبوف رواية ترتكز بشكل أساسي على لغة الزهور، حققت أعلى المبيعات في نيويورك تايمز.
أما من ناحية الفن فقد استخدم الفنان جون إيفرت ميلياس مؤسس “إخوان ما قبل الرافليت” زيتًا ليصنع عناصر طبيعية تعبر عن لغة الزهور، بينما جسد الفنان “جون سنقر سارجنت” الكثير من الرموز التي تعبر عنها في رسوماته.
رحيق الزهور.. لغة اتصال مشفرة
عُرفت لغة الزهور باسم “فلوريوقرافي”، واعتبرت وسيلة اتصال مشفرة بين الطرفين، تعمل وفقًا لتنسيق مجموعة منها وترتيبها في إحدى الباقات، من ثم إرسالها إلى الطرف الآخر الذي غالبًا كان يحمل معجمًا خاصا لها، يقوم من خلاله بفك تشفير الرسالة وفهم معانيها، ثم يعاود إرسال الرد بنفس الطريقة وهلم جرا.
اختلاف معاني الزهور من دولة لأخرى
تختلف لغة الزهور من بلد لآخر، حسب ثقافة البلد والقصص الخاصة بها، بل وحتى حياة الزهرة نفسها، فتجد الزهرة الواحدة قد تكون لها معنى عندما تُهديها لأحد في إنجلترا، يختلف عن معنى نفس الزهرة عندما تُهديها لأحد في الصين.
تعلّم لغة الزهور
إذا تسألت قليلًا ما هو سبب إعطاء كل زهرة معنى معين خاص بها، أجيبك على هذا بأن الزهرة غالبًا ما تستمد معناها من شكلها أو أدائها، فعلى سبيل المثال نبات السنط يرمز إلى العفة؛ وذلك بسبب إغلاق الزهرة لأوراقها أثناء الليل أو حتى عندما يلمسها أحدهم.
والآن لنستعرض بعض أشهر الزهور وأبرز المعاني التي تعبر عنها
1- زهرة ليزانثس: معناها الرحيل والهجران.
2- زهرة شقائق النعمان: معناها شوق وانتظار.
3- زهرة استير: معناها الصبر والاحتمال.
4- زهرة أكاسيا: معناها الحب السري.
5- زهرة الحوذان: معناها الصداقة والطفولة.
6- زهرة القرنفل: معناها الحب النقي والتفاني.
7- زهرة الأقحوان: معناها الحقيقة والصدق.
8- زهرة الوستارية: معناها الترحيب بشخص جديد في حياتك.
9- زهرة الاوركيد: معناها الحسناء.
10- زهرة الهندباء البرية: معناها المغازلة.
حسنًا الآن وبعد أن تعلّمت لغة الزهور كيف ستكون رسالتك التي تعبر عنها…
التعليقات