الزمان: البناء: الأسرة 12 الفرعونية، الاكتشاف: 1944
المكان: على بعد 2كم من واحة سيوة
يمثل الموت أكبر مجهول لدى الإنسان، فكونه جدير بالأسطورة جعل البشر لا يتورعون نشر الكثير من الخرافات حوله، ورسم صور وأحلام ونظريات لمعرفة أسرار هذا العالم الخفي الذي يفوق خيالهم، وبجوار هذه الأساطير وقفت قصة “جبل الموتى” بواحة سيوة المصرية كعلامة بارزة تثير الجدل والاهتمام.
جبل موتى وسط أيقونة جمال
إذا حدثتُك عن الصحراء المصرية سيتبادر إلى ذهنك بسرعة، الرمال الهائلة والكثبان الكثيفة واللون الأصفر الباهت.
إلا أنه وسط هذه الأراضي القاحلة نبتت واحة خضراء يخرج منها ينابيع المياه العذبة كأيقونة رائعة الجمال، ألا وهي واحة سيوة بمرسى مطروح.
وتقع الواحة على بعد 2 كيلومتر من جبل الموتى الممتلئ بالمومياوات الأثرية، والذي يُعد أكثر الآثار الفرعونية غموضًا.
حرب أخرجت الموتى من قبورهم
كانت الصدفة العامل الأكبر في اكتشاف جبل الموتى، فعندما اشتعلت الحرب العالمية الثانية عام 1944.
اضطر أهالي سيوة للهروب من نيران المعركة الدائرة بين الجيوش الألمانية والإيطالية والبريطانية.
فلم يكن أمامهم سبيل سوى التوجه إلى جبل يقع علي بُعد 2 كيلو متر فقط من مدينتهم.
ليصطدموا بأهم الاكتشافات الأثرية في شمال الصحراء الغربية.
مومياوات في خلايا العسل
عندما وجد أهالي سيوة هذه التجاويف الصغيرة في الجبل اكتشفوا أنها مقابر فرعونية قديمة، وضعت في جبل مخروطي الشكل يبلغ ارتفاعه نحو 500 متر وله تربة جيرية.
وقد رصت به المومياوات في عيون صغيرة تشكلت من الحجر على هيئة صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه خلية النحل.
إنها مقبرة لكنها جميلة
تبدو مقبرة جبل الموتى مثل الواحات القديمة، فهي عبارة عن دهليز يضم عدد كبير من السراديب.
تنتهي جميعها إلى بهو واسع تتفرع منه فتحات مخصصة لوضع الموتى، حيث يحتوي على 3000 مقبرة.
وهي من أجمل المقابر الفرعونية القديمة المزينة بالنقوش البارزة والرسوم والكتابات والزخارف، أما لو صعدت فوق الجبل فسترى أروع المناظر الخلابة لواحة سيوة.
فن زمني يجمع العصور
يعود تاريخ هذه الجبانة الأثرية إلى العصر الفرعوني بداية من حكم أحمس الثاني، أحد ملوك الأسرة الأسرة الـ 26 ويمتد للعصر البطلمي والروماني.
كما تجمع هذه المقابر في تصميمها بين الفن المصري القديم والفن اليوناني، وقد نشأ هذا الاندماج نتيجة اختلاط الثقافات ببعضها.
عقيدة البعث والخلود الأصل في بناء مقابر الموتى
كانت عقيدة البعث والخلود من العقائد الأساسية التي بنى عليها المصري القديم إيمانه، فهو يرى أن الموت ليس نهاية الطريق بل هو بداية حياة جديدة.
ومن هذا الفكر ظهرت آلاف المقابر الفرعونية في باطن “جبل الموتى“، التي كانت تحتوي على الطعام والشراب والماء والعطور والملابس والبرديات والذهب والآواني الفخارية، وغيرها من القطع الأثرية بما يتناسب مع احتياجات البشر في الحياة الأخرى.
1- مقبرة سي آمون.. الأجمل على الإطلاق
ومن أبرز المقابر الموجودة بجبل الموتى “مقبرة سي آمون” التي تم إنشاؤها في العصر البطلمي.
وتنتمي المقبرة لأحد الأثرياء الإغريق الذي كان يتبع الديانة المصرية القديمة؛ لذلك تم وضعه في مقابر الفراعنة.
وتتميز بجدران خلابة مزجت بين الفن المصري القديم والفن الإغريقي اليوناني، تترجم عقيدة المصري القديم في البعث الخلود.
كما تضم بعض النقوش البارزة لرسومات فرعونية منها رسمة تمثل الإلهة “نات”، وهي واقفة تحت شجرة الجمّيز.
2- مقبرة التمساح الأصفر
ومن ضمن المقابر أيضًا مقبرة “التمساح”؛ التي سميت نسبة للرسوم المنقوشة عليها؛ خاصة لما كان اسم صاحب المقبرة مفقودًا.
وهي عبارة عن شكل تمساح أصفر اللون يمثل المعبود “سوبك”.
3- مقبرة ثيبر باثوت.. ساحرة الحمراء
هي مقبرة تضم تابوت حجري، وتحمل نقوشًا ورسومات لساحرة مصبوغة باللون الأحمر الذي يغلب على الأواني الفخارية المستخدمة في سيوة حتى الآن.
4- مقبرة با تحوت.. الأقدم والأكبر
تختلف تلك المقبرة في طرازها عن باقي المقابر، حيث تتميز بفناء كبير به 6 حجرات، وزعت 3 منها على كل جانب، وفي نهاية الفناء يوجد مدخل كبير لحجرة الدفن.
كما يوجد على الجدار المواجه للمدخل صورة للإله أوزوريس “إله البعث والحساب” -عند الفراعنة-، وهو جالس على مقعد ومن خلفه الإله “تحوت”، وأمامهما مائدة قرابين يقدمها صاحب المقبرة، وهو في هيئة كاهن يرتدي جلد فهد وينتعل صندلًا.
وقد دفن في هذه المقبرة الملك أحمس الثاني، الذي كان يعمل كاهنًا في معبد الإله أوزوريس.
5- مقبرة ميسو إيزيس.. ثعبان كُبرى
يعني اسم المقبرة “مولدة إيزيس” وهي تحتوي على مدخل في آخره حجرة تابوت المومياء.
ويتميز مدخل حجرة الدفن بوجود زخرفة على شكل ثعبان “الكُبرى” وبجانبه قرص الشمس، بالإضافة إلى ثعابين أخرى ملونة بالأزرق والأحمر.
كما يحوي الجانب الأيمن من المدخل صورة لإيزيس وأوزوريس، ورغم ذلك فإن الكتابة الفرعونية داخل المقبرة توضح اسم الملكة “إيزيس” فقط.
مولد في الصباح وممات في الليل
جبل مثل هذا لن تدعه الأساطير وشأنه مطلقًا، لذلك تبدلت الأحوال بعد اكتشافه وكثرت الشائعات حوله، لتبدأ قصة “جبل سيوة الملعون”، الذي جمع بين أسطورتي الحياة والموت.
وتحكي الأسطورة أن شعب منطقة جبل الموتى لا يزيد ولا ينقص مهما دارت الأيام والسنوات، حيث تقول “عندما يولد طفل في الصباح، يموت شيخ ليلًا”.
بالطبع الأمر قد يكون مجرد مصادفة تتكرر لسنوات طويلة، إلا أن أهالي واحة سيوة يؤمنون أن الحقيقة تكمن في سر جبل الموتى وارتباطه بأسطورتي الحياة والموت.
فم يلتهم الموتى.. من أروع المزارات السياحية
يعتبر جبل الموتى من أجمل المزارات السياحية الشهيرة في سيوة؛ لما له من شكل عجيب يتجلى بوضوح في تلك الفتحات التي تبدو كما لو كانت أفواه كبيرة مفتوحة تلتهم أجساد الموتى.
علاوة على جمع اللوحة الطبيعية لمعاني متناقضة مثل التشاؤم الذي يمثله جبل الموتى، والتفاؤل المتمثل في الأميال المترامية لواحة سيوة الممتلئة بالنخيل الأخضر والأزهار الملونة التي تخللها البيوت القديمة التقليدية رائعة الجمال.
لذلك يمكننا القول أن جبل الموتى يقدم ملخصا بسيطًا لدورة الحياة، قائلًا: “وسط لحظات الحزن والتشاؤم، ما زال هناك أمل قادم في الطريق”.
حين تنوي السفر..!
إن أردت الاستمتاع بهذا التاريخ الأسطوري كل ما عليك فعله أن تنوي السفر صوب واحة سيوة المصرية.
فالجبل يقع على بعد 2 كم منها داخل محافظة مرسى مطروح، إذ تستطيع الوصول إلى الجبل مشيًا من الواحة خلال 20 دقيقة، فيما يبعد الجبل عن العاصمة القاهرة نحو 750 كم.
ويزدهر موسم الزيارة السياحية لهذه المنطقة بين شهري أكتوبر وأبريل، حيث يميل الطقس في هذه الفترة إلى البرودة ليلًا.
اقرأ أيضا:
بدأ في عهد عمر بن الخطاب.. وسمي بالتقويم القمري.. تعرف على أصل التقويم الهجري ومعاني الشهور الهجرية
في بداية العام الهجري الجديد 1445.. 7 سنن يستحب للمسلم فعلها
هل يجوز صيام أول يوم من العام الهجري الجديد 1445؟.. الإفتاء تجيب
دراسات علمية تؤكد.. «العطاء» يؤثر على الدماغ والصحة النفسية
هل الإندومى يسبب السرطان؟.. خبراء تغذية يجيبون على الأمهات المصرية
التعليقات